دروز سوريا مُستفرَدون… بانتظار الدّولة المدنيّة – 2

40

بقلم د. وليد صافي

«اساس ميديا»

يعلم الشيخ موفّق طريف حقيقة هذا الفصل القائم واستحالة كسره مهما بلغت الطموحات الشخصية وتداخلت مع المشاريع من هنا وهناك. دروز سوريا ولبنان الذين تمكّنت قياداتهم التاريخية من الحفاظ على بوصلتهم السياسية في أحلك الأوضاع وأصعبها، وقاوموا الاحتلالات والانتداب والوصايات وقدّموا التضحيات الهائلة، لم يفوّضوا أحداً تمثيلهم.

إلى ذلك لم يطلب أهالي جرمانا الحماية من أحد، وهذا ما تمّ تأكيده في عدد من الصحف الإسرائيلية التي تناقلت الجدل الذي أحدثه ادّعاء نتنياهو حماية دروز الجبل.

صحيح أنّ الدروز هم مثل طبق النحاس إذا دققت عليه ينتشر الصوت في كلّ أرجائه، والصحيح أيضاً أنّ التعاضد بينهم في الأزمات والمحن بقي في إطار الاحتفاظ بثوابتهم الوطنية والعربية والإسلامية، وهذا ما يعرفه جيّداً أبناء الطائفة في إسرائيل من زمنيّين ورجال دين. لذلك من الأفضل أن يبقى التعاضد بين الدروز على ما هو عليه من قيمة اجتماعية ورسالة في حفظ الإخوان تتميّز بها الطائفة، وألّا يتمّ استخدامه للتشجيع على الانفصال عن الأوطان خدمة لمشاريع التقسيم والتفتيت. الدروز الذين أطلق عليهم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لقب “سيف الإسلام” يتشبّثون بانتمائهم العربي والإسلامي ولن يسمحوا لنتنياهو والمعجبين بسياسته باستخدامهم حصان طروادة لتفتيت سوريا.

السّاحة الدّرزيّة السّوريّة محصّنة.. ولكن؟ 

إعلان نتنياهو حماية دروز سوريا لم يلقَ صدى إلّا في بعض الاختراقات القائمة، التي ما زالت محدودة، ومنها المجلس العسكري في السويداء الذي لا يملك حجماً تمثيليّاً حتّى الآن. إذ تشكّل القوى التي قاومت نظام الأسد وشاركت في إسقاطه الأكثريّة التي تمسك بالأرض.

تنسّق هذه الأكثريّة مع وزارة الدفاع السورية في إطار التفاهم القائم على مجموعة من المبادئ التي ترعى المرحلة الانتقالية. والتظاهرات التي جرت في ساحة الكرامة في مواجهة دعوات الحماية المشبوهة، تؤكّد أنّ تراث سلطان باشا الأطرش وشكيب أرسلان وكمال جنبلاط لا يزال حيّاً، وأنّ الجبل بغالبيّته النخبوية والشعبية يتمسّك بتاريخه وهويّته السورية والعربية.

السؤال: هل هذا يكفي للمواجهة؟ وهل علينا أن ننام على حرير؟ بالطبع لا، لأنّ حجم الرهانات التي يعقدها نتنياهو على نجاح هذا المشروع التقسيميّ كبير جداً، والمواجهة تتطلّب فهماً دقيقاً للواقع. إذ إنّ هناك نقاط ضعف تجب معالجتها. والآن ليس وقت المنافسة على الزعامة في الجبل، والقيادة الحقيقية تتطلّب القبول بأدوار الآخرين وعدم الوقوف في المنطقة الرماديّة. وتتطلّب أيضاً القناعة بأنّ ما يجري من استهداف للجبل ليس شأناً داخليّاً، بل قضية وطنية وعربية وإسلامية كلّنا معنيّون بها.

تمتدّ نقاط الضعف هذه إلى ما يعرض على دروز الجبل من حوافز اقتصادية للعمل في إسرائيل. وفي إطار لعبة الحوافز والإغراءات، بدأت هذه الأخيرة بتنفيذ شبكات مياه الشفة في عدد من البلدات في محافظتَي القنيطرة ودرعا التي أذلّها حكم آل الأسد، وتركها فريسة الحرمان والفقر والتخلّف.

أمّا الدور الذي يقوم به بعض قادة “قسد” في تقديم المساعدات إلى المجلس العسكري والتنسيق معه، فيعقّد الأمور ويؤكّد حجم المخطّط والربط الذي يقيمه الإسرائيليون في مشروعهم بين الجغرافية الدرزية والجغرافية الكردية في شمال شرق سوريا.

يندرج هذا الربط أيضاً في إطار تهيئة الظروف لتسهيل قيام ممرّ داود الذي يجتاز الحدود الشرقية لمحافظة السويداء وصولاً إلى مناطق الأكراد في الشمال الشرقي لسوريا. فهل من أحد يقدّم النصح إلى “قسد” بالتوقّف عن التدخّل في شؤون جبل الدروز؟

تبقى نقطة الضعف المهمّة أيضاً، وهي الخوف الذي يسيطر على معظم أبناء الجبل من المستقبل الذي لم يظهر لهم على حقيقته. تؤيّد الأكثرية الساحقة من دروز الجبل قيام نظام سياسي تعدّدي ودولة مدنية قائمة على نظام إداري لامركزي، والتأخير في انطلاق هذا المسار يضاعف مخاوفهم ويجعلها مصدراً للاستغلال في هذه المرحلة الحسّاسة.

التعامل مع الأقلّيات في سوريا كإرث من المسألة الشرقية خطأ كبير، والمطلوب الإسراع بتشكيل حكومة تعكس التنوّع في سوريا وتبعث على طمأنة كلّ الأقلّيات الخائفة. إذ لا يكفي أن نقول لهم لا تخافوا، بل يجب أن يشعروا بأنفسهم أنّهم غير خائفين.

التّاريخ المجبول بالتّضحيات باقٍ

وليد جنبلاط الذي ينتظر السادس عشر من آذار لطيّ صفحة اغتيال والده الشهيد كمال جنبلاط بعد انهيار حكم آل الأسد، رفع الصوت وحذّر وحدّد المواقف بوضوح. وسيذهب قريباً إلى الشام للقاء أحمد الشرع، والتأكيد أنّ الموقف الدرزي هو على الجانب الصحيح من التاريخ، وأنّ لعنة المؤامرات لن تمحو تاريخاً من النضال تعمّد بالدماء والتضحيات الكبرى، ولن تتمكّن من تحويل أحفاد سلطان باشا الأطرش إلى حرس حدود في المشروع الصهيوني.

بعد مواقف جنبلاط هذه، ينتظر الدروز من يلاقيهم إلى هذه المواجهة، لأنّ تداعياتها تطال مستقبل سوريا والمنطقة. صحيح أنّ مشروع تهجير أهالي غزّة خطوة على طريق إنهاء القضية الفلسطينية ويمسّ بالأمن القومي العربي، لكنّ مشروع السيطرة الإسرائيلية على الجنوب السوري يستهدف أيضاً أمننا القومي، ويفتح الطريق أمام تقسيم سوريا وإدخالها في فوضى وحروب أهليّة لا نهاية لها.

ليست هذه المعركة برسم الدروز بمفردهم، بل هي معركة السوريين، ومعهم العالم العربي. الجميع ينتظر موقفاً عربيّاً بحجم المشروع الخطير الذي يهدّد وحدة سوريا، وأن لا يتركوا الدروز مستفردين.

د. وليد صافي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.