درع حرب الإختبارات… لردع حرب الإستخبارات…

31

بقلم د. باسم عساف

منذ بدء فكرة قيام الوطن القومي اليهودي، التي إتُّخِذت قي المؤتمر الصهيوني العالمي، الذي عُقد في مدينة بازل بسويسرا سنة/ ١٨٩٧.. حيث إستكمل تنفيذ بنوده، قادة الصهيونيَّة العالميَّة السِرٌِييٌن والعلنيِّين، وخاصَّةً مع دول الحلفاء وفي مقدمتهم بريطانيا، التي تولٌَت تنفيذ رغباتهم في الإستيطان على أرض فلسطين، فكان المؤتمر الصهيوني التالي لسبع دول أوروبية، عُقِد في لندن، برئآسة رئيس الوزراء الإنكليزي (كامبل بالرمن) سنة /١٩٠٧، حيث تم إقرار الإستجابة لإقامة الوطن القومي اليهودي، على أرض فلسطين، وقد إستكمل هذا القرار (بوعد بلفور) لليهود بعد الحرب العالمية الأولى، وإحتلال الإنكليز لأرض فلسطين، التي كانت من حصتها، بعد التفاهم مع حليفتها فرنسا، وفق إتفاقية سايكس – بيكو.

وبالفعل فقد بدأ تنفيذ الوعد مع بداية العشرينات من القرن الماضي، وتم إستقدام اليهود من أوروبا الغربية والشرقية، وروسيا وشرعت ببناء المستوطنات لهم، على حساب أراضي الفلسطينيين وقراهم، التي شهدت العديد من المجازر لطردهم بمؤآزرة الإنكليز ، الذين تولُّوا تسليحَهم، وتمكينَهم بالإستيطان في الأرض، وتسليطهم بالتحكم في العرض، حتى تم إنتزاع قرار بالأمم المتحدة، يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، كانت إحداها تحمل إسم إسرائيل، والأخرى لم تكتمل فصول تركيبها وتنظيمها عن قصد، لتكون أراضيها وشعبها لقمة سائغة للتوسع الصهيوني المقيت، ضمن مؤآمرة تقسيم الشرق الأوسط الجديد، والهيمنة على الدول العربية المحيطة، لتكوين إسرائيل الكبرى، المقَرَّرة من الفراتِ إلى النِيل.

*المواجهة مع الكيان الصهيوني، أخذت أوجهاً عديدة، وجميعُها تصبٌُ في الخيارات الحربية، فكانت إستدامة مساحةالصراع منذ بدايته، على الحروب المتنقلة من جبهةٍ إلى أخرى، أو من ساحةٍ إلى قطاع، أو من إستنزافٍ إلى تكتيك، أو من هدنةٍ إلى إتفاق، أو من إستخباراتٍ إلى إغتيال، أو من غاراتٍ وقصفٍ إلى إجتياحٍ وإحتلال. وهي تصبُّ في إستكمال المخطَّط على مدى السنين، للوصول إلى الوطن القومي اليهودي المعرَّف بإسرائيل، والتي ستكون على خارطَةِ الطريق إلى شرق أوسط جديد، خالياً من دول عربية وإسلامية، ليتسنى لهم حُكم العالم بطمأنينَةٍ وأمان، والسيطرة على عوامل الإنتاج وإمتلاكها، لتكون بيدهم أهمَّ من سلاح الدَّمَار الشامِل.

إن مواجهة الجيوش العربية والإسلامية، خلال مراحل الصراع على مدى سِنينَ الحروب مع الكيان الصهيوني الغاصب، قد أفضت إلى الهزائم والنكبات والإنتكاسات، رغم إمتلاك كل مقوِّمات المواجهة، ولكن من دون إعداد وقرار، الذي تحوَّل إلى حماية الأنظمة والعروش، وباتت كل صفقات الأسلحة، ليست إلا شكليَّة وتُصلِح للإستعراضات الموسمية، وبعيدةً جداً عن ساحات الصِّراع، حيث تَحوَّلت لقمع الشعوب، وإخضاعهم لأوامر الحكم العسكري والطوارئ الدائمة، حتى تكون المحاكمة ميدانية، والقمع سيد الموقف، دون إتخاذ القرار اللازم بقمع ودحر الإحتلال وطرد المستوطنين.

قبل كل ذلك وجوب توحيد الرؤيا لكل العرب، وتوحيد المسار في مواجهة الكيان الصهيوني، ومقاومة إعتداءآته على الأرض والعرض والوقوف بجرأة لإتمام وتنفيذ القرارات العربية في مؤتمراتهم : ( لا صلح، لا تفاوض، لا إعتراف ) فأين هم اليوم فعلاً، مما أعلنوه قولاً.

إن معارك المواجهة الميدانية، قد أثبتت في العديد منها، أن جيش الكيان الصهيوني هو أفشل جيش بالعالم رغم إمتلاكه لأحدث التقنيات والآليات والتجهيزات والسلاح المدمِّر، ولكن تنقصُه الإرادة والجرأة، والعزيمَة والإخلاص لقضيةٍ مُحِقَةٍ، للدفاع عن الأرض والعرض، وهي تلك الموجودة بقوةٍ، عند أصحابِ الأرض الحقيقيين من أبناء فلسطين، الذين أثبتوا أكثر من مرة، في إنتفاضاتٍ متعددةٍ بدءاً من أطفال الحجارة. إلى طوفانِ الأقصى، مروراً بتحرير سيناء وقسمٍ من الجولان وأرض الجنوب اللبناني، بإرادةٍ الشعوب والمقاومين، وبأسلوبٍ متغايرٍ عن الحروب الكلاسيكية، الني تعتمد الغلبة المطلقة، عبر إستخدام القوة والبطش والتدمير بأسلحة الدمار الشامل.

لقد أثبتت الحروب مع الكيان الصهيوني، أن أسلوب المقاومة والمواجهة مع العناصر اليهودية والإستيطانية مباشرة، وضمن عمليات إستشهادية أو بطولية في القنص والدهس، والتفجير المزنر أو المفخخ، أو بالكمائن على المجموهات، أو بالطعن للمستوطنين أو عناصر الجيش، تعطي النتيجة الأمثل، التي تفتك بهم مباشرةً، دون الإستطاعة بالتعويض عنهم، حيث أن عددهم محدود، في فلسطين وخارجها، ولا يمكن حشد آخرين منهم أو من غيرهم، لا يحملون في أنفسهم قضية للدفاع عنها، وهذا ما شهدناه في أرض فلسطين والجنوب اللبناني مع عمليات الإنتفاضة وتلمقاومة، التي جاءت نتيجتها، إنتصارات باهرة لهم، وهزائم لعدوهم.

بعد الإنتصار الكبير في عملية طوفان الأقصى، التي غيَّرت معالِمَ كثيرة، في مفهوم المواجهة مع الكيان الغاصب، بل مع العالم أجمع، الذي يدعم هذا الكيان، وأثبتت هذه العملية، مدى تأثير الإرادة والثبات على حمل القضية المحقة، وعلى العزيمة والإخلاص باالدفاع عن الأرض والعرض، لتأتيَ بنتائج الفوز، رغم الفارق الكبير جداً بالتجهيزات والسلاح، وقوة العتاد وإمتلاك أحدث الصواريخ والدبابات والطائرات، التي تقذف القنابل الثقيلةوالمدمرة، وأيضاً إستخدام التكنولوجيا الحديثة.

لقد تحولت قيادة الكيان عن إستخدام الحروب الروتينية في الميدان، حيث فشلت بها، وتحوًَلت إلى إستخدام الحروب النفسية، والترهيب بالإشاعاتِ والأكاذيبِ، كما إستخدمت حروب الإستخبارات والمعلومات، التي تؤدي إلى الإغتيالات والقنص عن بعد، مع تطويره من الرصاص، إلى الصواريخ المصوَّبة، والمسيِّرات الموجَّهة، وهذا ما تعوِّض به بإنتصاراتٍ وهميٌَةٍ تعتمد على الخَونة والعُملاء.

هذه التحولات لن تدوم لهم، حيث إن يذهب ويسقط بها مارد، فإن ثورة الحق تستنهض من المقاومين ألف مارد، ينتظرون الشهادة بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، وإرادة تحرير الأرض والعرض، وهم يشكِّلون جحافل مشاريع الشهادة،والإستشهاد بأَيِّ وسيلةٍ تقُضُّ مضاجِعَ الإحتلال وقياداتهم الإجرامية، وهي لا تُحسِن ذلك من العمليات، حيث أن الجُبنَ والخوفَ والرعبَ رفاقُ دربهِم إلى مزبلة التاريخ، مع إفتضاح أمرهم بأكثر من واقعةٍ إستشهاديةٍ في فلسطين وخارجها، وهنا تكمن أهميَّةُ إستخدامها كمقاومة، في جُملةِ حروبِ إختبارات، لمُواجهَة اليهود في حروبهم بالإستِخبَارات.

د. باسم عساف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.