خلف: أي خطة إنقاذ لا بد من أن تُصاغ بروح الإنصاف بمقاربة وطنية متكاملة

5

بعنوان “رؤية واقعية لإعادة الهيكلة، بين الإصلاح وحماية الحقوق” كتب أمين عام جمعية المصارف الدكتور فادي خلف افتتاحية التقرير الشهري للجمعية، وجاء فيها: “في ظل إقرار مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف في مجلس الوزراء والتحضير لمناقشته في مجلس النواب، تُطرح في الأوساط المصرفية جملة ملاحظات تهدف إلى إيجاد توازن واقعي بين الإصلاح المالي وحماية حقوق المودعين. الأزمة اللبنانية الراهنة تتجاوز حدود الأرقام والحسابات، فهي تعبير عن خلل طويل الأمد في بنية الإدارة العامة ومالية الدولة، ما أدّى إلى أزمة نظامية غير مسبوقة، مما يُحتّم مقاربة قانونية خاصة.
المصارف تخضع لتعاميم مصرف لبنان وسياساته وقد تشدد المركزي بتطبيقها في كافة الفترات وخاصة منذ اندلاع الأزمة وبالتالي لا يجوز تحميلها تبعات قرارات سيادية التزمت بها خلال هذه الفترة.
بعد أن حدد مشروع القانون متطلبات استمرارية المصارف، أصبح من الضروري وضع إجراءات أكثر ملاءمة للمصارف التي تلتزم بها وعدم التعميم في الإجراءات.
في الجانب القضائي، من العدل إعادة النظر في بعض الآليات الإجرائية التي تنظم الطعن في قرارات الهيئة الخاصة الناظرة في أوضاع المصارف، من أجل إرساء توازن بين سرعة التنفيذ وضمانات التقاضي.
أما النقطة الأهم فهي تتعلّق بتوقيت سريان بعض المتطلبات الفنية، بحيث يتناسق تنفيذ القانون مع خارطة الطريق المالية المنتظرة وعلى رأسها قانون معالجة الفجوة المالية.

مقاربة إصلاحية
إن النجاح الفعلي لأي خطة تعافٍ مرهون بمقاربة وطنية متكاملة، تعترف بأن ما يمرّ به لبنان هو أزمة نظامية فريدة في تاريخ الدول الحديثة، وتستلزم حلولًا استثنائية لا تشبه ما طُبّق في أزمات عابرة أو تقليدية.
تنطلق هذه المقاربة من قاعدة صلبة قوامها العدالة والواقعية، وتشمل:
– الالتزام الصريح بمبدأ حماية حقوق المودعين ضمن أي خطة إعادة هيكلة، بما يتماشى مع الدستور، وأحكام مجلس شورى الدولة، والمبادئ القانونية المحلية والدولية.
– تسوية سريعة للحسابات الصغيرة، لما لها من أثر فوري على شريحة واسعة من المودعين.
– إنشاء آلية مالية لتعويض المودعين تدريجيًا، تموَّل من إمكانيات مصرف لبنان، وعائدات الدولة الحالية والمستقبلية، ومساهمات المصارف.
– خلق أدوات مالية مرنة قابلة للتداول، تعيد إلى المودعين حق الوصول إلى سيولة تدريجية.
– رسملة القطاع المصرفي بطريقة تضمن استمراريته، وتعزّز دوره في تمويل الاقتصاد.
– تفعيل المساءلة العادلة، مع اتباع التدرج في المسؤوليات بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف.
– الربط الجدّي بين مسارات الإصلاح المالي والنقدي من جهة، وإصلاح مؤسسات القطاع العام واستثمار أصول الدولة من جهة ثانية.
هذه المبادئ ليست تفصيلًا بل هي أساس لأي تعافٍ حقيقي. التحدّي اليوم هو في صياغة تشريعات عادلة، تطبَّق بشكل متّزن، وتحترم هرمية الأزمة وتوزيع مسؤولياتها، وصولًا إلى حلّ مستدام يُنصف المودعين ويؤمن استمرارية تمويل القطاع المصرفي للاقتصاد المنتج.
صندوق النقد
برنامج صندوق النقد يشكّل منطلقًا عمليًا لاستعادة الثقة وإرساء الاستقرار. في هذا السياق تجري مساعٍ جادة ومستمرة لرؤية إصلاحية مشتركة بين صندوق النقد والدولة اللبنانية والمصارف تعيد الثقة بالقطاع المالي وتؤمّن مقومات الخروج من الأزمة. لا يُنظر إلى برنامج صندوق النقد الدولي كشرط خارجي مفروض، بل كإطار محفّز لإطلاق التعافي وتعزيز الثقة بالاقتصاد من خلال انتظام السياسات النقدية والمالية وإتاحة التمويل الميسّر.
غير أن تطبيقه في الحالة اللبنانية يتطلّب معالجات استثنائية تتجاوز المقاربات التقليدية، نظراً لكون الأزمة التي يواجهها لبنان غير مسبوقة، ما يستوجب رؤية إصلاحية متكاملة ومبتكرة تراعي خصوصية الواقع اللبناني وتعقيداته.
إن جوهر أي نهوض اقتصادي لا يُبنى فقط على الشروط والمعايير، بل على إرادة تنبع من الداخل وتتكامل مع الخارج.
ولبنان، في هذه اللحظة الحاسمة، أمام فرصة لإعادة تعريف دوره المالي والاقتصادي على أسس العدالة، والمهنية، والاستقرار.
الشراكة العملية المطلوبة بين المصارف، الدولة، وصندوق النقد، لا تنقذ نظامًا منهارًا فحسب، بل تبني نموذجًا يُحتذى به في إعادة النهوض من الأزمات.
بناءً عليه، إن أي نص تشريعي، وأي مسار تفاوضي، وأي خطة إنقاذ، لا بد أن تُصاغ بروح الإنصاف، لتتماشى ليس فقط مع تعقيدات الواقع، بل مع تحديات المستقبل”.

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.