“حِصار” ثلاثيّ والحكومة تُحيّد “الحزب”

27

بقلم ملاك عقيل

«أساس ميديا»

مع سقوط قرار وقف إطلاق النار في غزة وتجدّد الحرب الإسرائيلية على القطاع، فُتِح الباب واسعاً أمام فرضيّة “سقوطه” في لبنان أيضاً، من زاوية استكمال العدوّ الإسرائيلي ضرب بنية “الحزب”، بمنطق الحرب المفتوحة كما في مرحلة ما قبل 27 تشرين الثاني، وليس كما يَحدث راهناً بمنطق الضربات الموضعية من اغتيالات واستهدافات جوّيّة لمواقع محدّدة، التي شكّلت سقوطاً مدوّياً للاتّفاق من يومه الأوّل. لا يوازي هذا الوضع خطورة سوى حالة تشديد الخناق على الحدود الجنوبية والشمالية والشرقية، في ظلّ ارتباك بوصلة التواصل مع الجانب السوري، غير المعنيّ حتّى الآن بتحديد آليّة التعاون والتنسيق في ملفّ التوتّرات على الحدود، والنازحين، والترسيم البرّي والبحري، والتهريب.

في ظلّ سَرديّة سوريّة رسمية تحدّثت عن دور لـ”الحزب” في اندلاع المواجهات العسكرية على الحدود الشرقية، والشمالية الشرقية، لم يقدّم الجانب الرسمي اللبناني حتّى الآن رواية رسمية واضحة لما حدث على الحدود اللبنانية – السورية مساء الأحد وفجر الإثنين. وبعد تجدّد الاشتباكات ليل أمس على محور حوش السيّد علي، بدا أنّ مسلسل الإستنزاف الحدودي قد يطول ويخرج عن السيطرة، في ظل عدم صمود اتّفاق وقف إطلاق النار سوى لساعات محدودة.

حتّى خلال جلسة مجلس الوزراء التي أخذ ملفّ المواجهات العسكرية على الحدود الشرقية حيّزاً من النقاش فيها لم تتّضح للرئيسين جوزف عون ونوّاف سلام وللوزراء الدوافع الحقيقية لما جرى، بينما قدّم وزير الدفاع ميشال منسّى مطالعة حَصَر خلالها مسبّبات التوتّر بمسائل التهريب بعد العثور على جثث ثلاثة سوريين وتسليمهم، ثمّ تعزيز “منطقة الاضطراب” بالقوى العسكرية اللازمة، مؤكّداً “محاولة معالجة الموضوع عبر الاتّصالات بين الجانبين”، من دون الإشارة إلى أيّ دور لـ”الحزب” في المواجهات. بينما تحدّث وزير الصحّة ركان ناصر الدين، المحسوب من حصّة “الحزب” في الحكومة، عن “حرب حقيقية استخدم خلالها المسلّحون السوريون صواريخ وراجمات طالت أبنية سكنية للّبنانيين الذين فرّوا من منازلهم”، محذّراً من موجة تهجير واسعة.

تحييد “الحزب”

في هذا السياق، تفيد معلومات “أساس” بأنّ وزير العدل عادل نصّار كان الوحيد بين الوزراء الذي أشار إلى دور لـ”الحزب” في اندلاع المواجهات ومحاولة فتح جبهة ودوره المستمرّ في التهريب، لكن فعليّاً لم تأخذ هذه المداخلة حيّزاً جدّياً من النقاش داخل مجلس الوزراء، خصوصاً أنّ الرئاسات الثلاث والوزراء أنفسهم لم يكونوا يملكون رواية كاملة وأكيدة لما حدث يوم الأحد.

اللافت أنّ إعلان تشكيل لجنة وزارية “لاقتراح التدابير اللازمة لضبط الحدود ومراقبتها، ومكافحة التهريب، ورفع المقترحات إلى مجلس الوزراء”، أتى في سياق سياسة مواجهة التهريب، وليس على قاعدة إدانة “الحزب” بالتورّط عبر استدراج الطرف السوري إلى مواجهة حدودية، وهو ما يعني تبنّي نفي “الحزب” لضلوعه بالمواجهات، والتسليم بواقع سيطرة العشائر، وتحييده بالمعطى العسكري وليس بالضرورة لجهة ارتباطه بملفّ التهريب.

يُذكر أنّ الجانب السوري، على الرغم من التسريبات عن كون العناصر المسلّحة المرابضة على الحدود هي غير منضبطة ولا مرجعيّة لها، فإنّ وزارة الدفاع السورية التي اتّهمت “الحزب” بالخطف والقتل، أكّدت أنّ العناصر الثلاثة من “هيئة تحرير الشام” الذين قتلوا ينتمون إلى الجيش السوري.

ترجّح أوساط مطّلعة أن تتكرّر المواجهات، بوتيرة أكبر، في ظلّ حالة غليان من جانبَيْ الحدود، وعدم جلوس الطرفين إلى طاولة التفاوض الرسمي للتداول في أحد أكثر الملفّات سخونة وحساسيّة، الذي ارتدى طابع التفلّت الكامل منذ سقوط نظام بشار الأسد، ثمّ بسط “هيئة تحرير الشام” سيطرتها على الحدود الشرقية والشمالية.

لغاية الآن، سجّل اتّصال هاتفي بين وزيرَي الدفاع اللبناني والسوري ميشال منسّى ومرهف أبو قصرة، فيما فتحت مخابرات الجيش خطّاً مباشراً مع رئيس الاستخبارات العسكرية في سوريا أنس الخطاب، الذي كلّف ضابطاً من جانبه للتواصل مع الجانب اللبناني الأمنيّ بشأن مسألة الحدود. تلفت المعلومات إلى أنّ الضابط المذكور يغيب أحياناً كثيرة عن السمع، أو يقدّم ضمانات ثمّ يتراجع عنها.

انتشار قتاليّ

ميدانيّاً، تشكّل الأحداث الماضية استكمالاً لمشروع قضم مساحات واسعة من الحدود الشرقية، تحديداً في بلدة حوش السيّد عليّ، في الجزء السوري منها الذي تسكنه عائلات لبنانية، والتمدّد إلى الجزء اللبناني من هذه الأراضي والأملاك. وأمس أكّد مختار بلدة حوش السيّد عليّ محمد ناصر الدين أنّ “مسلّحي هيئة تحرير الشام يحتلّون 5 كلم حتى الساعة من البلدة ويقومون بسرقة منازل وإحراقها”.

يعدّ الانتشار القتالي للجيش اللبناني في منطقتَي الهرمل والقصر، للمرّة الأولى، مدعّماً بفوج المجوقل واللواء التاسع وفوج الحدود، في ظلّ توجيهات رئيس الجمهورية للجيش بالردّ على مصادر النيران واختبار قائد الجيش الجديد العماد رودولف هيكل أوّل مواجهة عسكرية مع الجانب السوري، خطوة أساسية من لبنان الرسمي بعدما اقتصر الأمر طوال السنوات الماضية على المراقبة والرصد وتنفيذ عمليات موضعية، وهو ما أدّى إلى فرملة تمدّد المسلّحين السوريين باتّجاه الأراضي اللبنانية. وأمس دخل الجيش بعض أحياء بلدة حوش السيّد علي من الجهة اللبنانية، بعد توغّل محدود من الجيش السوري والأمن العامّ، وبعدما سُجّل طوال يوم أمس هدوء على الجبهة الحدودية، لتعود وتشتعل المواجهات ليلاً.

لم يعرف حتّى الآن هل من توجّه لدعوة رئيس الجمهورية عون إلى انعقاد المجلس الأعلى للدفاع للمرّة الأولى منذ انتخابه، مع العلم أنّ الرئيس السابق ميشال عون دعا إلى انعقاده في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية والتفلّت الحدودي وملفّ النازحين، قائلاً: “هذا واجب وليس خياراً لمن هم في موقع المسؤوليّة”.

ملاك عقيل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.