“حماس”… والبناء سياسياً على كارثة غزّة

68

بقلم خيرالله خيرالله

لا يثير غياب الأجوبة الواضحة في ما يتعلّق بمرحلة ما بعد حرب غزّة أي استغراب من أي نوع. يفسْر ذلك، ألى حدّ ما، أنّ الطرف الذي تسبب بتلك الحرب، أي “حماس”، لم يدرك أصلا أنّ “طوفان الأقصى” كان يمكن أن يؤدي، إلى ما أدى أليه، لا فلسطينيا ولا إسرائيليا ولا إقليميا وحتّى عالميا.

ثمة مدرسة تقول أنّ “حماس” أرادت، من وراء “طوفان الأقصى” إحتجاز عدد من الرهائن بغية تحسين موقفها التفاوضي مع إسرائيل والعمل على تحسين ظروف الحصار المفروض على غزّة. كانت “حماس” تسعى إلى صفقة تستهدف إطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين مستندة إلى تجربة احتجاز الجندي جلعاد شاليط في الماضي القريب. أدى إحتجاز شاليط إلى إطلاق عدد لا بأس به من الأسرى الفلسطينيين.

لكنّ ثمّة مدرسة أخرى، يقول المنتمون إليها، أن الهجوم الحمساوي كان بالتنسيق مع “جبهة الممانعة” التي تقودها “الجمهوريّة الإسلاميّة” وكان الهدف منه تلقين إسرائيل درسا ردّا على العمليات التي شنتها في دخل إيران مستهدفة مواقع معيّنة وشخصيات مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. كان المطلوب تلقين إيران لأسرائيل درسا وليس إنفلات الأمور إلى هذا الحدّ وصولا إلى شنّ الدولة العبريّة حربا على غزّة وشنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” حروبا أخرى، بما في ذلك فتح جبهة جنوب لبنان.

تجاوزت الأحداث الظروف التي رافقت شنّ “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي وردّ الفعل الوحشي الإسرائيلي عليه. يعود ذلك، إلى أنّ غزّة لم تعد موجودة من جهة وأن ليس هناك من يريد أخذ العلم بهذا الواقع من جهة أخرى. من الواضح أنّ “حماس” نفسها ترفض أخذ العلم بذلك، علما أنّه لا يمكن تجاهل أنّ إسرائيل نفسها ترفض بدورها أخذ العلم بالأزمة العميقة التي تعاني منها، وهي أزمة ذات طابع وجودي. لكنّ اللافت في الأيام الأخيرة كلام القيادي الحمساوي خالد مشعل (رئيس الكتب السياسي للحركة سابقا) الذي يشير إلى بداية استيعاب لما حلّ بغزة من دون استيعاب ما يترتب فعلا على الحدث. لم يمنع ذلك مشعل، الذي سبق له إرتكاب أخطاء كثيرة، من بينها التحريض على الأردن الذي يعود له الفضل في بقائه حيّا، من السعي إلى البناء على حرب غزّة سياسيا. هل تستطيع “حماس” البناء سياسيا على كارثة غزّة التي تقف وراءها والتي في أساسها حسابات إسرائيلية واعتماد بنيامين نتانياهو على الحركة لقطع الطريق على أي أمل بقيام دولة فلسطينية.

سيعتمد الكثير على عوامل عدّة. من بين هذه العوامل، حال الترهّل التي تعاني منها السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة التي لم تعد تقوى على الوقوف على رجليها وإثبات أنّها ما زالت لاعبا سياسيا، أقلّه في المناطق التي لا تزال تحت سيطرتها. لا شكّ أن “حماس” ستحاول إستغلال هذا الضعف لدى السلطة الوطنية وحركة “فتح” تحديدا، من أجل تحقيق مكاسب في الضفّة الغربيّة بعدما تكفلت بالقضاء على غزّة. شئنا أم أبينا، ما زالت “حماس” موجودة في الضفّة الغربيّة سياسيا وعسكريا. تعمل إيران على تقوية وجود “حماس” في الضفّة عبر تهريب أسلحة إليها عبر الأراضي الأردنيّة من جهة وعبر جهود تبذلها “الجمهوريّة الإسلاميّة” من أجل زعزعة الاستقرار في المملكة الهاشميّة، وهي جهود مستمرّة منذ سنوات طويلة. تعتمد هذه الجهود، في أيامنا هذه، على الوجود الإيراني في الجنوب السوري وعلى الإخوان المسلمين الموجودين في الأردن. لا يمكن تجاهل أنّ “حماس” جزء لا يتجزّأ من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. بات لإيران حصة لا بأس بها في تنظيم الإخوان المسلمين بعدما نجحت في إستغلال حرب غزّة لتحقيق إختراق في العمق السنّي، أكان ذلك في الداخل الفلسطيني أو في الأردن أو في لبنان.

لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه غياب أي تصوّر إسرائيلي لمرحلة ما بعد غزّة، وهو غياب مرده إلى أنّ الهمّ الوحيد لرئيس الحكومة الإسرائيلية يتمثّل في الوقت الراهن في إستمرار الحرب في غزّة والتفكير في كيفية عبور تجربة الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من تشرين الثاني – نوفمبر المقبل.

تعدّ “حماس” نفسها لمرحلة ما بعد غزّة. يبدو ذلك واضحا من كلام خالد مشعل الذي ليس مهما بالنسبة إليه هل يحلّ بالضفّة الغربيّة. كذلك الأمر بالنسبة إلي “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران التي تسعى إلى تكريس ما حققته على الأرض منذ حصول “طوفان الأقصى” قبل تسعة أشهر. أثبتت إيران، التي ليس معروفا هل تستطيع إبتلاع اللقمة الكبيرة التي وضعتها في فمها، أنّها تسيطر عمليا على العراق وجزء من سوريا وعلى لبنان وعلى اليمن الشمالي. أثبتت أنّ لديها نفوذا قويّا لدى “حماس”، بل هي الطرف الأقوى داخل الحركة. يبدو أنّ إسرائيل تفضل إنتظار نتائج الانتخابات الأميركية. لا يزال رهان بنيامين نتانياهو على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، علما أن ليس معروفا هل يكون ترامب، في حال عودته، نسخة عن ترامب الولاية السابقة التي تميّزت بإنحياز كامل للدولة العبريّة عبر عنه الإعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.

يقتصر ما تستطيع إدارة بايدن عمله في الوقت الحاضر على ممارسة ضغوط تمنع إسرائيل من بدء حرب أخرى في لبنان، حرب تحذر الإدارة الأميركيّة من النتائج التي يحتمل أن تترتّب عليها. ليس معروفا هل تنجح هذه الضغوط في المدى الطويل… أم أن إسرائيل لا ترى نفسها في الوقت الحاضر جاهزة بعد لحرب لبنان وقد تكون بحاجة لبعض الوقت للردّ على المغامرة المجنونة التي أدخل فيها “حزب الله” البلد الصغير؟

كلّ يستعد لمرحلة ما بعد حرب غزّة على طريقته. سيكون هناك رابحون وخاسرون. الأكيد في الوقت الحاضر أنّ

مرحلة الإنتظار ستطول… كذلك الحرب، أقله في الشهور الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأميركيّة!

خيرالله خيرالله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.