حلف موسكو وطهران على المحكّ: مَن سيبيع مَن؟

6

بقلم عبادة اللدن

«اساس ميديا»

مع تجدّد المحادثات النووية بين الولايات المتّحدة وإيران في ظلّ أجواء “إيجابية وبنّاءة”، تدخل الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا مرحلة مفصليّة. على الرغم من تعزيز التعاون بين طهران وموسكو خلال العقد الماضي، خصوصاً في المجالَين العسكري والسياسي، تطرح متغيّرات المشهد الدولي تساؤلات جدّية عن مدى متانة هذا التحالف واستمراريّته.

 لطالما قامت العلاقة بين إيران وروسيا على أساس التقاطع التكتيكي لا الشراكة الاستراتيجيّة العميقة. تعزّز التعاون بين الجانبين في ظلّ ظروف العزلة المتبادلة: موسكو بسبب العقوبات المرتبطة بأوكرانيا، وطهران نتيجة العقوبات النووية والقطيعة مع الغرب.

طوّرت إيران وروسيا شراكتهما بشكل كبير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. تُوّج ذلك بتوقيع اتّفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة لمدّة 20 عاماً في كانون الثاني 2025، الذي يعزّز التعاون في الدفاع والاستخبارات والتجارة والبنية التحتيّة. وقد اعتمدت روسيا على الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية في حربها بأوكرانيا، بينما تسعى إيران إلى دعم روسيّ لإعادة بناء دفاعاتها الجوّية بعد الضربات الإسرائيلية.

تنافس في سوق الطّاقة

غير أنّ هذا التعاون، الذي تجلّى في الساحة السورية وفي مجالات عسكرية واقتصادية متعدّدة، يُخفي وراءه تناقضات كامنة، خصوصاً في سوق الطاقة حيث تتنافسان كمصدّرين رئيسيَّين للغاز. وفي حال نجحت المحادثات النووية بين طهران وواشنطن وأدّت إلى رفع العقوبات، فإنّ إيران قد تسعى إلى استعادة توازنها الدبلوماسي بين الشرق والغرب، وهو ما قد يقلّص من اعتمادها على روسيا ويفتح لها آفاقاً جديدة مع الدول الغربية.

أمّا موسكو، التي استفادت من عزلة إيران لتعزيز نفوذها، فقد ترى في هذا التطوّر تراجعاً في دورها الإقليمي، خصوصاً بعد:

– سقوط نظام بشار الأسد.

– عودة دونالد ترامب إلى الساحة السياسيّة العالمية.

– احتمال تحسّن العلاقات بينه وبين الرئيس فلاديمير بوتين قد يعيدان تشكيل أولويّات روسيا في الشرق الأوسط.

في حال سعى الكرملين إلى تحسين علاقاته مع واشنطن، قد تُصبح إيران ورقة تفاوضية يمكن لروسيا أن تخفض مستوى تعاونها معها مقابل مكاسب استراتيجيّة أو اقتصادية من الولايات المتحدة. أمّا اذا تحسّنت علاقات إيران مع الغرب، فإنّ طهران قد تفضّل تخفيف ارتباطها العسكري بموسكو حفاظاً على مسارها الدبلوماسي.

تشكّل الطاقة نقطة توتّر لا تعاون. فمع تراجع القيود الغربية، قد تعود إيران منافساً شرساً لروسيا في سوق الغاز العالمي، وهو ما يهدّد المصالح الروسيّة في هذا القطاع. وعلى الرغم من هذه التحدّيات، لا يمكن استبعاد استمرار الشراكة بين طهران وموسكو في حال فشل المسار الدبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة، أو في حال تبنّى ترامب سياسة أكثر تشدّداً تجاه طهران. في هذه الحالة، قد تزداد العلاقات عمقاً، لكنّها ستظلّ علاقة اضطرار لا تحالف متين، تسودها المصالح الظرفيّة والشكوك المتبادلة.

أمّا في حال نجاح المسار الدبلوماسي بين إيران وواشنطن، وعودة دفء العلاقات بين ترامب وبوتين، فإنّ التحالف الإيراني- الروسي قد يشهد تراجعاً واضحاً أمام علاقات أكثر مرونةً وتنافساً.

الوساطة الرّوسيّة… من دون تدخّل عسكريّ

عرضت روسيا التوسّط في المحادثات الأميركية – الإيرانية، وهو دور لعبته في اتّفاق 2015. ومع ذلك، يهدف توسّط روسيا إلى خدمة مصالحها الذاتية للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط وتجنّب عدم الاستقرار الإقليمي.

على الرغم من التصريحات المتبادلة بين الطرفين وتبادل الزيارات المتكرّرة لكبار المسؤولين في البلدين، تخشى إيران أن تصبح ورقة مساومة في المفاوضات الأمريكية – الروسيّة. يعتقد متابعو مسار العلاقة بين البلدين أنّ روسيا قد تقلّل دعمها لطموحات إيران النووية أو تحدّ من نقل الأسلحة لتحقيق تنازلات من الولايات المتحدة، مثل تخفيف العقوبات أو تسوية مؤاتية في أوكرانيا. ومع ذلك، من غير المرجّح أن تتخلّى روسيا على الأقلّ في هذه المرحلة عن إيران بالكامل بسبب توافقهما الاستراتيجي ومصالحهما الاقتصادية المشتركة.

يدرك الإيرانيون حدود العلاقة مع موسكو، وهي لا تشبه علاقة واشنطن مع إسرائيل. فقد أوضح مسؤولون روس مراراً أنّ معاهدة كانون الثاني 2025 مع إيران لا تتضمّن شرط دفاع مشترك. وأشارت موسكو في عدّة مناسبات إلى أنّها لن تتدخّل عسكريّاً إذا هاجمت الولايات المتحدة أو إسرائيل إيران، وهو ما يبرز حدود الشراكة. الرسالة الأخيرة لمرشد الثورة علي خامنئي إلى الرئيس بوتين قد تكون محاولة إيرانية لتحديد سقف الدعم الروسي وحدوده في هذه المرحلة.

المفاوضات مع واشنطن ستحدّد المسار مع موسكو

سيعتمد مسار العلاقة الإيرانية – الروسيّة على نتائج المحادثات الأميركية – الإيرانية ومدى التعاون الأميركي – الروسي. وهناك عدّة احتمالات:

إذا انهارت المحادثات الأميركية – الإيرانية أو صعّد ترامب تهديداته العسكرية، فمن المرجّح أن تعتمد إيران أكثر على روسيا للحصول على دعم دبلوماسي وعسكري. يمكن أن توفّر روسيا دفاعات جوّية متقدّمة أو تعميق العلاقات الاقتصادية لمساعدة إيران على تحمّل العقوبات.

تتماشى المصالح الاستراتيجيّة لروسيا مع إبقاء إيران قوّة مضادّة للنفوذ الأميركي، لكنّ موسكو حذرة من استعداء الولايات المتحدة أو إسرائيل، خاصّة إذا حصلت على تنازلات في أوكرانيا.

أمّا إذا توصّل ترامب وبوتين إلى اتّفاق أوسع (مثل أوكرانيا أو أسواق الطاقة العالمية)، فقد تقلّل روسيا دعمها للبرنامج النووي الإيراني أو نقل الأسلحة لكسب ودّ الولايات المتّحدة، فتتحقّق مخاوف إيران من “بيعها” إذا أعطت روسيا الأولويّة لمصالحها.

قد تسعى إيران إلى تعزيز العلاقات مع الصين أو إلى الاعتماد على الذات في برنامجها النووي، فتزيد مخاطر التصعيد. وقد يؤدّي ذلك إلى فقدان روسيا صدقيّتها بعدما كانت حليفاً موثوقاً في نظر طهران.

يكون خيار موسكو الأمثل في أن تستفيد من الحفاظ على نفوذها مع كلّ من الولايات المتّحدة وإيران، متجنّبة المواجهة المباشرة، مع الاستفادة من دور الوساطة.

هنا ستظلّ العلاقة الإيرانية – الروسية قويّة لكن عمليّة، مع تشجيع روسيا لإيران على التفاوض لتقليل التوتّرات، بالتوازي مع استمرار التعاون الاقتصادي والعسكري.

إسرائيل هي المؤثّر

اللاعب المؤثّر في الملفّ النووي هو إسرائيل التي تعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديداً وجوديّاً، وقد نفّذت ضربات لإضعاف قدرات إيران. أيّ اتّفاق أميركي – إيراني بتأييد روسيّ يبدو كأنّه يشرعن البرنامج النووي الإيراني، وقد يدفع إسرائيل إلى العمل العسكري، فيتعقّد موقف روسيا.

على الرغم من التقارب بين روسيا وإيران في السنوات الأخيرة، هناك من يتشكّك  في رواية التحالف القويّ بين البلدين. مهما تعمّقت شراكتهما، فهي عمليّة وليست أيديولوجيّة، مدفوعة بالبقاء المشترك ضدّ الضغط الغربي. استعداد روسيا للتوسّط في المحادثات الأميركية – الإيرانية ورفضها الالتزام عسكريّاً بالدفاع عن إيران يشيران إلى حدود توافقهما. إضافة إلى أنّ عدم ثقة إيران التاريخي بروسيا، المتجذّر في التدخّلات السابقة، وموقف موسكو المتردّد من عقوبات الأمم المتحدة، يغذّيان الشكوك في طهران.

تقف العلاقة بين إيران وروسيا أمام مفترق طرق حاسم. فبينما وُلد هذا التحالف من رحم العزلة والصراع مع الغرب، قد تعيد رسم معالمه تحوّلاتُ المشهد الجيوسياسي، من المحادثات النووية إلى تقلّبات السياسة الأميركية.

عبادة اللدن

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.