حقيقة ما جرى في الساحل السوري!!
كتب عوني الكعكي:
كشفت وزارة الدفاع السورية، مزيداً من المعطيات عن حقيقة ما جرى في مناطق الساحل السوري.
وتشير المعلومات الى أن التمرّد المسلح هناك كان أقرب لمحاولة انقلاب منظم… إذ قسم قائد أركان الفرقة الرابعة في جيش النظام السابق، غياث دلاّ قواته الى 3 مجموعات هي: درع الأسد، ولواء الجبل ودرع الساحل.. مع الإشارة الى أن القوى الأمنية التابعة للإدارة السورية الجديدة، تكبّدت خسائر بشرية كبيرة… ولا يزال المتابعون هناك يعثرون على مقابر جماعية تحتوي على عشرات القتلى من القوات التابعة لوزارة الداخلية السورية.
وفي خضم المرحلة الثانية من متابعة فلول نظام بشار، برز دخول شخصيّات من النظام السابق على خط الأحداث. إذ اتهم رامي مخلوف، الذي تربطه قرابة مع آل الأسد، الرئيس المخلوع بشار الأسد بتوريط الحاضنة الطائفية في صراع خاسر… واصفاً العملية بالحركة الغبيّة.
لكن المؤكد، وحسب تتبع الأحداث ومجريات الأمور، أن هذه العملية كانت من تصميم وتخطيط وتدبير الجمهورية الإسلامية في إيران. فقد لا يحتاج الحديث عن الدور الإيراني في إشعال هذا التمرّد لعدة أسباب:
أولاً: لقد شكّل سقوط نظام بشار الأسد صدمة كبيرة لإيران.. بل يمكن القول إنها الضربة الأكثر تأثيراً. إذ فقدت إيران أحد أكثر أوراقها أهمية التي طالما استخدمتها في مفاوضاتها مع الغرب بشأن ملفات عدة، لعلّ في صدارتها النووي الإيراني…
ثانياً: لقد حاولت إيران، ومع الأيام الأولى لتغيير النظام، أن تتكيّف مع الوضع الجديد، من خلال تصريحات بدت مرنة. إلاّ أن الحكم الجديد في سوريا، والذي يعرف جيداً مناورات إيران، لم يردّ التحيّة الإيرانية.
ثالثاً: طوال أكثر من أربعة عقود، عُرف عن إيران أنها تمارس سياسة براغماتية بحتة في مختلف القضايا، وهي غالباً ما كانت تُظهر شيئاً وتُبطن خلافه. فعلى سبيل المثال: عندما بدأت الحشود العسكرية الأميركية والبريطانية تستعد لغزو العراق، كانت طهران تعلن ليل نهار أنها ضد الغزو الأميركي. بل كانت قناة «العالم» الإيرانية (الناطقة باللغة العربية) تتحدث بلسان النظام العراقي. بينما واقع الحال، كان عكس ذلك تماماً. إذ كان النظام ينسّق مع الولايات المتحدة، وفقاً لما كشفه السفير الإيراني يومذاك زلماي خليل زاده… وكانت إيران تدرّب الميليشيات العراقية في أراضيها من أجل أن تدخل العراق. فضلاً عن لقاءات جرت بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين منذ عام 1998 للتنسيق لعملية غزو العراق.
رابعاً: لم تستطع إيران كبت شعورها المرير بخسارة سوريا، بعد فرار بشار الأسد وهزيمته أمام الرئيس أحمد الشرع بسرعة فائقة لا يستطيع أحد أن يتصورها. فكانت التصريحات من قادة إيران عدائية بالكامل. إذ تخلّت عن لغة الديبلوماسية والازدواجية… وراحت تعلن عداوتها الواضحة للواقع السوري الجديد. حتى خرجت تصريحات تعد الإيرانيين بأنّ سوريا ستعود قريباً الى «محور المقاومة».
إنّ المعلومات والتقارير الإعلامية، بشأن ما جرى في مدن الساحل السوري، تشير بأصابع الإتهام الى إيران، خصوصاً في ما يتعلق بالتخطيط والتنفيذ… ناهيك عن إدارتها حرباً إعلامية رافقت العمليات التي جرت في سوريا خلال فترة الهجوم على نظام بشار.
ويبقى السؤال المثير للاهتمام: لماذا تخلّت إيران عن سياستها التي اعتادت عليها في التعامل مع قضايا المنطقة، السياسية الباطنية؟
هل لأنّ إيران فقدت أذرعها (حزب الله) في لبنان وتحييد ميليشيات العراق؟ أم أن الأمر متعلق بسوريا وشعورها بعظيم ما فقدت؟ أم أن للأمر علاقة بتصدعات داخل نظام الملالي… وأهم هذه التصدعات الصراع بين الحرس الثوري و «فيلق القدس»… وصراعها مع الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان وحكومته؟ والصراع بين الجميع وبين المرشد الأعلى الخامنئي؟
والسؤال المطروح أيضاً: ما علاقة التراجع عن السياسة الباطنية والانتقال الى العلنية وسط المتغيرات التي شهدتها المنطقة؟ وأيضاً الوعيد الأميركي الذي يمثله الرئيس دونالد ترامب؟
ما يمكن قوله حتى الساعة… إنّ إيران بدأت تشعر بعظم تحديات المرحلة المقبلة.. فكان تدخلها في التمرّد ضد الحكم القائم في سوريا الآن، واستنفار الساحل السوري لأنّ فيه أغلبية علوية فقيرة… وهنا أتذكر قصة أرويها لأؤكد على تدني المستوى المعيشي في الساحل المذكور، وأنّ العلويين عاشوا في فقر مدقع.
أتذكر انني والمرحوم جو حمود، قمنا سوية بزيارة القرداحة لنقدّم التعازي بوالد الرئيس السوري حافظ الأسد. وبما ان المرحوم جو حمود كان متزوجاً من الطائفة العلوية… أراد أن يكرّم أهل زوجته، لكنه لم يكن يعرف العنوان.
وبعد اتصال بزوجته أخبرته بالعنوان، وذهبنا معاً، وهناك وجدنا صبيّة في ملابس شبه عارية، وأناساً في فقر مدقع، ووجدنا أهل زوجته «يقلون» البطاطا في صورة تدل على الفقر الشديد، فقام المرحوم جو حمود وقدّم ما معه من مال (أذكر 500 دولار) الى أهل زوجته وانصرفنا.
الأكيد أن إيران حاولت إنقاذ مشروعها… لكنها فشلت تماماً، لأنّ ما يرشح من الجمهورية الإسلامية يوحي بوجود خلافات بين كبار ساسة النظام.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.