حزب الله بعد تشييع نصرالله: دخول غمار السياسة أو خوض مغامرات غير محسوبة
بقلم مصباح العلي
ثمة قراءات عديدة، تتناقض بينها حول تعامل حزب الله مع التغيّرات الحاصلة في لبنان والمنطقة، خصوصاً ان الاسبوع الحالي تضمن انتهاء مهلة إعلان وقف إطلاق النار في الجنوب في 18 شباط الجاري يلحقها مباشرة موعد تشييع الامين العام السيّد حسن نصرالله ورئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين.
يتعامل حزب الله مع الاستحقاقين بشكل مصيري: فلن يقبل حزب الله انسحاب إسرائيلي تام عن كامل الجنوب تحقيقاً لشعار التحرير الذي رفعه الحزب وحققه في العام 2000، وكذلك الامر مع رمزية نصرالله بصفته قائد المقاومة ليس في لبنان فحسب بل على امتداد المنطقة وعلى غرار الحسم مع مسألة التحرير لن يقبل حزب الله دون تشييع ضخم وحاشد أبعد من الجغرافيا اللبنانية الى رحاب المنطقة والعالم.
غير ان الواقع السياسي كما ظروف المنطقة لا تتلاءم مع توجهات الحزب، فالانكسار العسكري كما فقدان الظهير السوري، كما الحسابات الايرانية بين الملف النووي ورفع العقوبات وغيرها. من هنا يتمظهر الإرباك في التعامل مع صعوبات بالغة.
في الداخل، يبدو مسار انتخاب العماد جوزيف عون وثوابت خطاب القسم، إكتمل مع تكليف القاضي نواف سلام تشكيل حكومة، يشكل المشهد الداخلي مع الانتخابات النيابية في 2026، فبالتالي لا يحتاج تراجع نفوذ حزب الله في المعادلة السياسية الى دليل، بل هو برهان اكيد بأنّ الزمن تحوّل، خصوصاً ان الاميركي يتصرف بوصاية مباشرة من خطابات دونالد ترامب الى موظفي السفارة الاميركية في عوكر.
بطبيعة الأحوال، من السذاجة أو الغباء اعتبار حزب الله سيسلم بالواقع الجديد والتسليم باليد التي ستقطع رقبته.
هنا، يفيد الرأي بأنّ دخول حزب الله الحكومة الحالية خطوة غير محسوبة، فالتسوية المفترضة لانتخاب رئيس الجمهورية لا ينبغي تعميمها على الانخراط في حكومة سترفض حكماً رفع شعار المقاومة في بيانها الوزاري.
بالانتقال الى الوضع الاقليمي، خروج سوريا يعني إعلان سقوط المحور الايراني الممتد من طهران حتى أمواج البحر الابيض المتوسط، وهو أمر ليس بالسهل كون المشروع الايراني استغرق تحقيقه عشرات السنوات وموازنات مالية فلكية، فحزب الله هو درّة تاج الحكم الايراني التي يتجاوز الحدود الجغرافية للجمهورية الاسلامية الى رحاب الحلم الامبراطوري القائم على تصدير الثورة التي رفعها الإمام الخميني، وسوريا عمق استراتيجي حققه بالحديد والنار قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، وليس من السهل التسليم بحكم إسلامي متطرف في سوريا قد يشكل رافعة في المنطقة تحديداً في العراق العدو والخصم التاريخي لإيران عند حدودها، ما يشكل تهديداً للأمن القومي الايراني ليس من السهل التكهن بتداعياته وانعكاساته، الامر الذي يفضي الى حصار ديموغرافي سنّي يطوق إيران ويجعلها محاصرة في محيط سنّي من تركيا حتى حدود الخليج.
الاشارة، الاشد بلاغة تكمن في الازمة الصامتة حيل هبوط الطيران الايراني في بيروت، فالامر يتجاوز التوجس من حقائب ديبلوماسية قد تحمل أموالاً الى حزب الله، الى قطع أوصال إيران بشكل كامل.
هنا، تبرز توجهات إيرانية متشددة للتعامل مع الخطر الزاحف مع الاشارات البالغة، فمن الصعب على حكام طهران التسليم بكل ما سلف والاعتراف بالهزيمة الكاملة، ومن الصعب التكهن بكيفية تعامل إيران مع تطورات المنطقة في ظل منهج الادارة الاميركية الذي يتسم بالحزم والشدة، وليس أشد بلاغة في اختيار الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية استضافة القمة الاميركية – الروسية للتباحث في مصير حرب أوكرانيا، الامر الذي سينسحب الى رؤية دونالد ترامب للتعامل مع القضية الفلسطينية في ظل تمسك سعودي واضح بـ”حل الدولتين” والذي هو بمثابة المفتاح الموعود لسلام الشرق الاوسط.
يبقى السؤال المشروع عن استعداد حزب الله الانخراط في تسوية داخلية وفق الشروط الاميركية، او الدخول الى مغامرات غير محسوبة، وهذا منوط حكماً بكيفية بلورة الموقف النهائي عند الانتهاء من تشييع السيّد نصرالله في 23 شباط الجاري.
مصباح العلي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.