حديث رمضان_رمضان والزكاة: قيم روحية وتكافل اجتماعي
القنصل محمد ابراهيم الجوزو
رئيس مجلس أمناء صندوق الزكاة في لبنان
يطلّ علينا شهر رمضان المبارك بنفحاته الإيمانية، حاملاً معه قيم الصيام والصبر والتقوى، ومؤكدًا على مكانة التكافل الاجتماعي في الإسلام. إنه شهر الرحمة والمغفرة، الذي تتعزز فيه معاني العطاء والإحسان، وتتجلى فيه أهمية فريضة الزكاة، الركن الثالث من أركان الإسلام، كوسيلة لإرساء العدالة الاجتماعية ومساعدة المحتاجين، تعكس أسمى معاني التكافل الاجتماعي والتراحم بين أفراد المجتمع.
فالزكاة ليست مجرد عبادة مالية تؤدى بشكل روتيني، بل هي نظام إلهي يرسّخ العدالة ويُقلل الفجوة بين الأغنياء والفقراء. يقول الله تعالى: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا” (التوبة: 103). فالزكاة تطهر المال وتزكي النفس، وتجعل المجتمع أكثر تماسكاً وتضامناً.
الزكاة ليست مجرد مساعدة مادية، بل هي رسالة إنسانية تعبر عن التضامن والتآخي بين المسلمين. عندما يدفع الغني زكاة ماله، فهو يشعر بمعاناة أخيه الفقير، ويعيش قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
فرض الله الزكاة كحق معلوم للفقراء، فقال تعالى: “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” (التوبة: 103). فهي ليست تبرعًا، بل واجب يحقق التكافل ويقلل من التفاوت الطبقي، مما يساهم في استقرار المجتمع. كما أنها تؤدي دورًا محوريًا في تحريك عجلة الاقتصاد من خلال دعم المشاريع الصغيرة، وتقليل الفقر، وتعزيز الإنفاق الاستهلاكي.
تساهم الزكاة في تحقيق التوازن الاجتماعي، فهي تمنح الفقراء فرصة لحياة كريمة، وتزيل الفوارق الطبقية، وتعزز روح المحبة بين أفراد المجتمع. كما أنها تعطي المزكي شعورًا بالطمأنينة، وتمنح المحتاجين إحساسًا بالأمان الاجتماعي.
في لبنان، حيث يعاني الكثير من الأسر من الفقر والحرمان، يلعب صندوق الزكاة دوراً محورياً في جمع الزكاة وتوزيعها على المستحقين. نحن نعمل جاهدين لضمان وصول هذه الأموال إلى من يستحقها، سواء كانوا فقراء، أو مساكين، أو غارمين، أو غيرهم من الفئات التي حددها الشرع. ومن خلال هذه الجهود، نساهم في تخفيف المعاناة، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، وبناء جسور الثقة بين أفراد المجتمع.
في شهر رمضان، تزداد الحاجة إلى تفعيل دور الزكاة، حيث تكثر الأعمال الخيرية، وتتنوع أوجه العطاء. الصدقات والتبرعات تتدفق، والمشاريع الخيرية تزدهر، مما يعكس روحانية هذا الشهر العظيم. ومن هنا، ندعو جميع القادرين إلى الالتزام بأداء زكاة أموالهم، والمساهمة في دعم المحتاجين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان.
يزداد إقبال المسلمين على إخراج الزكاة والصدقات في رمضان، إدراكًا لعِظَم الأجر في هذا الشهر الفضيل. ويشكّل صندوق الزكاة في لبنان رافدًا أساسيًا لتنظيم هذه الفريضة، عبر إيصالها إلى مستحقيها، سواء في شكل مساعدات غذائية، أو دعم تعليمي وصحي، أو تمكين اقتصادي.
نسأل الله أن يجعل هذا الشهر المبارك شهر رحمة وبركة على الجميع، وأن يعيننا على تعزيز قيم العطاء والتكافل لما فيه خير المجتمع.
وكل عام وأنتم بخير.
القنصل محمد ابراهيم الجوزو
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.