حديث رمضان_رمضان شهر الرحمة والعطاء والغفران

2

المهندس علي عساف

رئيس المركز الإسلامي

الحمد لله الذي أكرمنا بشهر رمضان، شهر البركة والرحمة، ووفقنا لنشهد أيامه ولياليه، فنسأله أن يجعلنا فيه من المقبولين. والصلاة والسلام على خير من صام وقام، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

يطل علينا شهر رمضان المبارك ليجدد فينا معاني الإيمان، ويرتقي بأرواحنا في مدارج الطاعة والقرب من الله. إنه شهر الرحمة التي تتجلى في كل لحظة، فتنزل على القلوب بردًا وسلامًا، وتفتح أبواب المغفرة والعتق من النار. في رمضان، تتغير العادات، وتخفّ فيه وطأة المشاغل اليومية.

لقد اقترن رمضان بالقرآن الكريم، إذ أنزل الله فيه كتابه العزيز هداية للناس، كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (البقرة: 185). في هذا الشهر، تحيا القلوب بآيات الله، وتتجدد الصلة بكتاب الله.

ورمضان أيضًا مدرسة للتقوى، حيث يتربى المسلم على مراقبة الله في السر والعلن، فيمتنع عن طعامه وشرابه امتثالًا لأمر ربه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.”

حين نتحدث عن رمضان، يتبادر إلى الأذهان الصيام، ذلك الامتناع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. لكنه ليس مجرد جوع وعطش، بل تدريب على ضبط النفس والصبر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصيام جُنَّةٌ”، أي وقاية من الذنوب في الدنيا ومن النار في الآخرة. فمن صام إيمانًا واحتسابًا، غُفرت له ذنوبه، ونال جزاءه بغير حساب.

في زحمة الأيام، نحتاج إلى لحظات نراجع فيها أنفسنا ونستعيد توازننا. يأتي رمضان كفرصة لهذا التوقف الضروري، فيذكرنا بإخواننا المحتاجين، فنشعر بحاجاتهم، وندرك أهمية العطاء. في رمضان، يكثر الجود، وتنتشر موائد الإفطار، وتتفقد القلوب الرحيمة الضعفاء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء.”

رمضان ليس شهر الصيام فقط، بل هو يعيد إلينا دفء اللقاءات العائلية وبهجة الجلوس حول مائدة واحدة. وهو أيضًا شهر القيام، حيث تُرفع فيه الدعوات وتُستشعر لذة المناجاة في صلاة التراويح والتهجد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.”

وفي العشر الأواخر من رمضان، نتحرى ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، كما وصفها الله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مُطْلَعِ الْفَجْرِ. وهي الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم، وتفتح فيها أبواب الرحمة والمغفرة. من قامها إيمانًا واحتسابًا، وأحياها بالصلاة والدعاء حتى طلوع الفجر، نال أجرًا عظيمًا ومغفرة من الله.

يمضي رمضان سريعًا، لكنه يترك أثره فينا، كعلامة مضيئة. فرمضان ليس شهرًا في التقويم فقط… إنه حالة من النقاء، متى ما وجدناها في داخلنا، استطعنا أن نحملها معنا طوال العام.

فلنغتنم هذه الأيام المباركة بالإكثار من الاستغفار والتوبة من الذنوب، والعزم على الاستقامة بعد رمضان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.”

ونسأل الله أن يجعلنا من المقبولين، وأن يرزقنا فيه الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وأن يعيده علينا أعوامًا عديدة ونحن في صحة وإيمان وأمان.

المهندس علي عساف

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.