حديث رمضان_العشر الأواخر من رمضان

23

ايهاب عبدالله
اسرة المقاصد
مع دخول العشر الأواخر من رمضان، تتعاظم مشاعر السكينة في قلوب المسلمين، حيث ندرك قرب وداع هذا الشهر المبارك ونسعى لإغتنام ما تبقى منه في الطاعات والعبادات. إنها أيامٌ اختصّها الله بمزيدٍ من الفضل، فكانت فرصةً عظيمةً لمضاعفة الجهد في الصلاة، والذكر، وقيام الليل، والتضرع بالدعاء، طلبًا للرحمة والمغفرة. فالعشر الأواخر ليست مجرد ختامٍ للشهر الفضيل، بل هي ذروة البركة والعتق من النار، وفيها ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، ليلة القدر، التي تتنزّل فيها الملائكة بالرحمات، ويُستجاب فيها الدعاء، ويُكتب فيها الخير لمن أخلص النية وسعى بقلبٍ خاشع.
هذه الأيام المباركة تدعونا إلى التأمل في جوهر رمضان، فهو ليس فقط صيامًا عن الطعام والشراب، بل صيامٌ عن الغفلة، وتهذيبٌ للنفس، وتجديدٌ للعهد مع الله. إنها فرصةٌ للتوبة الصادقة، لتصفية القلوب، ولمضاعفة الأعمال الصالحة من صدقةٍ، وإحسانٍ، ومساندة المحتاجين، ونشر الخير بالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة. فكما تُعلّمنا هذه الأيام الصبر والإنضباط، فإنها تُذكّرنا بأهمية العطاء، حيث يُضاعف الله الأجر لكل عملٍ خيّر، مهما بدا بسيطًا.
وفي خضم انشغالنا بالحياة، تأتي العشر الأواخر لتعيد ترتيب أولوياتنا، وتُذكّرنا بأن ما تبقى من العمر يستحق أن يُستثمر في الطاعات والعبادات، ولإدراك أن العطاء لا يقتصر على المال، بل يمتد إلى الدعاء للغير، وبذل الجهد في نشر الرحمة، والمساهمة في بناء مجتمعٍ أكثر تماسكًا.
إنها أيامٌ تمر سريعًا، لكنها تحمل معها دروسًا تبقى طوال العام. وكما نحرص خلالها على التقرّب إلى الله، ينبغي أن يستمر هذا التقرّب بعد رمضان. وكما نتسابق في فعل الخير، فلنجعل هذة الايام المباركة نهجًا لحياتنا كلها. فلنستثمر هذه الأيام المباركة، ولنجعلها محطة إنطلاقةٍ جديدةٍ نحو الإيمان واليقين، ونحو قلوبٍ أنقى وأرواحٍ أصفى.
نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين، وأن يكتب لنا فيها الرحمة والمغفرة والعتق من النار. شهر رمضان ليس مجرد شهرٍ للصيام، بل هو مدرسةٌ متكاملةٌ للتهذيب الروحي، وتقوية الإرادة، وتعزيز قيم العطاء والتكافل.
رمضان هو فرصةٌ للسمو الروحي والتقرب إلى الله، ففيه تتعمّق الروحانية، وتزدهر النفس بالذكر والصلاة وقراءة القرآن، مما يمنح المسلم طمأنينةً داخليةً لا مثيل لها. كما يُعلّم الصيام كيف يتحكّم الإنسان في رغباته، ويُدرّبه على ضبط النفس والتحلي بالصبر، وهو بذلك ليس مجرد امتناعٍ عن الطعام والشراب، بل تدريبٌ على الإرادة القوية، يعزّز الإحساس بالامتنان للنعم التي قد نعتبرها بديهيةً في غير رمضان.
إلى جانب الفوائد الروحية والأخلاقية، يحمل الصيام فوائد صحية مثبتة علميًا، كتحسين وظائف الجهاز الهضمي، وتنظيم مستويات السكر في الدم، وتحفيز الجسم على التخلص من السموم، وتعزيز صحة القلب والشرايين. كما يترك أثرًا إيجابيًا على الصحة النفسية، حيث يمنح الصائم شعورًا بالرضا واليقين، ويفتح أمامه باب التأمل الذاتي والسلام الداخلي.
وفي عصرٍ تغلب عليه التكنولوجيا الرقميّة، يأتي رمضان ليعيد إحياء التواصل الحقيقي بين الناس، حيث تجتمع الأٌسر على مائدة الإفطار في أجواءٍ مليئة بالإيمان، ويحرص الأصدقاء والأقارب على تبادل الزيارات والتهاني، مما يقوي أواصر المحبة بين القلوب. إنه شهرٌ ينشر ثقافة التسامح والمصالحة، ويدعو إلى إصلاح العلاقات ونبذ الخلافات، إدراكًا لقيمة السلام الداخلي. إن هذه الروح الإيجابية التي تميّز رمضان، ينبغي أن تستمر طوال العام، لا يجب أن تنتهي بإنتهاء الشهر المبارك.
إن القيم التي يعززها رمضان، من صبرٍ، وتراحمٍ، وعطاءٍ، وإحسانٍ، يجب أن تبقى نهجًا دائمًا في حياتنا، تماشيًا مع رسالته الحقيقية التي تدعونا إلى تحويل العادات الإيجابية إلى أسلوب حياةٍ مستمر. شهر رمضان ليس مجرد فترةٍ روحانية مؤقتة، بل هو دعوةٌ للتغيير الإيجابي، وهو فرصةٌ نادرةٌ لإعادة ترتيب الأولويات، وتقوية الإرادة، وإحياء قيم التكافل والرحمة.
فلنجعل من رمضان نقطة إنطلاقٍ لحياةٍ مفعمة بالإيمان، ولنحرص على إستدامة القيم التي تعلّمناها خلاله، لنكون أكثر إنسانيةً، وأكثر تضامنًا، وأكثر تقرباً الى الله.
ايهاب عبدالله

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.