حديث رمضان_”أهمية شهر رمضان المبارك”

10

يسرى التّنّير مومنه  

ناشطة سياسية واجتماعية

“شهر رمضان الذي أُنزِلَ فيهِ القرآنُ هدىً للنّاسِ وبيّناتٍ مِنَ الهدى والفرقان”

 وَمِنْ آياتِ اللهِ عزَّ وجلّ وتعدّدها في كتابِه المبين، تتّسمُ أهميّةُ شهرِ رمضان المبارك في حياةِ البشر. هو محطّةٌ نزورُها كلَّ عامٍ، نضعُ عندَها رحالَ سنةٍ مضَتْ، تُزوّدُنا بوقود الإيمان والطّاعةِ لنكملِ مسارَنا ومسيرَنا في رحلةٍ رسمَها اللهُ لنا، ولا ندري متى ندركُ خطَّ النّهايةِ والوصول. فكيفَ يكونُ هذا الوصول؟

 الهدى الذي أُمِرْنا به والطّاعات التي وجبَتْ علينا هي فرضٌ لكلِّ أيّام السّنةِ ولكنْ يُعزِّزُ تذكيرَنا بها هذا الشّهرُ الفضيل: أنْ نعاملَ النّاسَ بالحُسنى، أنْ نكونَ صادقين توّابين أوّابين لربّنا ومع أنفسنا، ومَنْ ثمّ مع جميعِ خلقِه مِنْ بشرٍ وحيوانٍ ونباتٍ، وحتّى بتصرّفاتِنا مع الجماد. الهدى أنْ نهتديَ لمساعدةِ الغير عند كلّ ضيقة وأزمةٍ تعصِفُ بِمَنْ حَوْلَنا فنمدّ لهم يدَ العونِ وروح المشاركة، فهذا هو الدّينُ الحقّ، دينُ المحبّة والتّعاضد. الهدى أنْ نُسامحَ مَنْ أخطأ ونمسكَ بيدِه ونمضي سويّاً على صراطٍ أرادَه اللهُ لنا مكلّلاً بالأخلاق والعفو عند المقدرة والمحبّة الدّائمة والتّفاؤل والكلمة الطّيّبة والنّوايا الحسنة العَبِقة بمخافة الله وطاعته ومحبّته.

 الهدى هدى النّفس وترفُّعها عن المعاصي وسموّها بصفاتٍ دَرَجَ عليها الأنبياءُ والرُّسُلُ وأرشدَنا إليها نبينا عليه الصّلاة والسّلام. فيذكّرُنا رمضان أنْ نتشاركَ مع جارنا وضيفنا وكلّ محتاجٍ ما نقتاتَه، ويذكّرنا بأن نحبّ لغيرِنا ما نحبّ لأنفسِنا بدءاً منَ التّبسّم في وجه الغير وإفشاء السّلام على الجميع بقناعةٍ ومودّة، والغيرة على حُسنِ سلامتهم ومصالحهم وأمانهم.

 الهدى أنْ نهتديَ بأنفسِنا إلى طاعاتٍ مترفّعةٍ تسمو بنا إلى عالمِ الرّوحانيّات بعيداً عن دنيويّةِ الدّنيا بملذّاتها، فيعيدُ رمضان ترتيبَ الأولويّاتِ في أفئدتِنا ونفوسِنا، ويعودُ العبدُ تلقائيّاً إلى ما أمرنا به اللهُ المعبود من فرائض في ظلال رمضان. فتُعَزَّزُ الصّلاةُ بالتّراويح وقِيام اللّيل، ومعها ذكرُ اللهِ عزّ وجلّ بتعاقب اللّيلِ والنّهار. وتزهو مشاركة عطاءات ونِعَمِ الله علينا بالزّكاةِ وحقّ الغيرِ علينا ومعنا مِنْ مالٍ وطعامٍ وكِسوةٍ  وإحساسٍ وشعورٍ مع الغير. ويكونُ الصّومُ مُكلِّلاً لتلك المشاعر، فالصّومُ هو صومٌ عنِ الشّهواتِ وصومٌ عنِ الغضبِ وصومٌ عنِ التّسرّع وصومٌ عن وسوسة أفكار السوءٍ والإتيانِ بحُسنِ الظّنّ دائماً. والصّوم هو التّوقّف عنِ الطّعام والشّراب لفترةٍ محدّدة لِنَشعرَ بما يمرُّ به البعض ونحمد الله على نِعمِه التي أنعم بها علينا ونتضرّعُ له بدوامها علينا.

 الصّومُ هو اللّهفة لِلقاءِ الأحبّاءِ من معارف وغرباء وعائلة قريبة وبعيدة لِهَدفٍ واحدٍ وهو المساواة ووحدة الحال والشّعور والمشاركة.

“وأنْ تصوموا خيرٌ لكم إنْ كنتم تعلمون”..نعم، فالصّيامُ تأديبٌ جسديٌّ وروحانيٌّ وأخلاقيٌّ وإنسانيٌّ، له محاسن لا تُحصى مِنْ صحّيّةٍ تقي الجسد الأمراض والسّموم، وروحانيّة تقرّبنا من الله عزّ وجلّ، وأخلاقيّة تحجبُ عنّا الوقوع في المعاصي وإرتكاب الأخطاء ولو اللّفظيّة أو الظّنّيّة، وإنسانيّة تجسّدُ المعنى الحقيقيّ بأنّ لا فرق بيننا إلّا بالتّقوى.

 ورمضان هو شهرُ الفرقان الذي أُنزلَ فيه كتاب الرّحمن ليُخرجَ النّاس مِنَ الظُّلماتِ إلى النّور في جميع أمورِهم وعقولِهم وسُبُل تفكُّرِهم وحياتهم. فهداهم أنْ يفرقوا بين الحقّ والباطل، وأرشدهم إلى أنّ أعلى درجات القوّة هي الرّحمة، وهداهم إلى أنْ يعدِلوا في الميزان. وفي شهر الفرقان، يكون الصّيام والأعمال لله والأجرُ للعبدِ عند ربّه، إذْ هو شهرُ التّقرّبِ إلى الله والشّهرُ الفصل الذي يفيضُ بالفرص لإقتناص وإتمام الفضائل.

 فها نحنُ نستقبلُ شهرَ عطاءٍ لأنفسنا قبل الجميع، فطيب العطاء والمعاملة مردوده على الجميع. وهو شهرُ الشّكر لله من الجميع، وشهرُ الصّفاء: صفاء الرّوح والنّيّة والقلب والمعاملة والتّبصُّر فيما مضى منْ أعمالٍ وما تبقّى لنا، وعلمه عند ربّ العالمين. فيا عبادَ الله، إنّ اللهَ العزيزَ الجبّار يريدُ بكمُ اليُسرَ ولا يريدُ بكم العسر، ويمدّكم بشهره الفضيل لعلّكم تشكرون، واللهُ قريبٌ مجيبُ الدّعاء.

 أعاده اللهُ على جميع خلقه بالإيمان والأمان والصّحّة والخير والطّاعات والمغفرة والمعافاة الدّائمة في الدّاريْن.

يسرى التّنّير مومنه

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.