حديث رمضان_أبعاد روحية في الصوم

19

دكتور أمين فرشوخ

أكاديمي/عميد كلية الدراسات الاسلامية السابق في جامعة المقاصد

الصوم أمر إلآهي ملزم، وهو فرض لمصلحة الإنسان: ((لعلكم تتقون)) / البقرة 183 ، ((أن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)) / البقرة 184، وهو، ليس الانقطاع عن الطعام فقط، كما يراه البعض، بل هو ترك للكثير من السلوك الذي يسيء الى الآخرين، وإلى الصائم نفسه، وفي ترك ذلك يكون الصائم في لحظات نورانية، يرتفع فيها عن الماديات الى الروحانيات، وبعضها خفي لا يطلع عليه سوى الله تعالى، هو الذي لا تخفى عليه خافية، ويعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.

ولننظر في بعض أبعاد الصوم الروحية:

أولا:  اطمئنان القلب: فالاسلام هو دين النية والطوية، هو اطمئنان القلب بالايمان، قبل أن يكون دين سلوك ومظاهر. والله تعالى يحاسب المسلم على ما نوى وليس على ما أظهر فقط، فلا يظن احد أنه يجزى خيراً إن هو أتى شراً، أو ينزل به عقاب إن هو أتى خيراً. والصائم، المسلم المؤمن، ينوي الصيام، ويبطن الايمان بطاعة الله، وهو يعرف بأن الصيام اختصه الله ونسبه اليه، تشريفاً وتعظيماً يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه “فالصوم لي وأنا أجزي به”،  وها هو أيضاً، وهو الأسوة الحسنة، ينصرف الى النسك والصوم والزهد والتقشف، برضاه، وهو القادر على التمتع بالحياة مثل بعض الأغنياء المترفين، مؤمناً أنه يخدم رسالته ((ولسوف يعطيك ربك فترضى…)) / الضحى 5.

ثانياً: الايمان: والايمان هو الطريق الى الله، ومن يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً، فالمؤمن بالاسلام، معتقداً وأركاناً… يصوم الفريضة هذه خاضعا لطاعة الله بكله، فكما يصلي خمس مرات يومياً ملامساً بجبهته الأرض، ورافعاً صوته ب ”الله أكبر”، يصوم مستسلما لله، منفذاً ما أمره به، وهي الطاعة التي ترفعه وتقربه منه تعالى فيغتني، يغتني بثروة لا توازيها ثروة في الدنيا، يكبر بها وهو يسير برضى الخالق.

ثالثاً: الصبر: إن ملكة الصبر تمثل القوة الكبرى الفعالة في الانسان، وهي التي تشحذ طاقته وتوقد همته، وتمد قدرته بالنضال النبيل ليتغلب على المصاعب كلها. لذلك كاانت أولى وصايا ه تعالى لرسله وأنبيائه هي الصبر، يقول تعالى ((والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) / العصر 3، و((فاصبر إن وعد الله حق)) / يونس 55، وقد وردت كلمة صبر أكثر من سبعين مرة في القرآن الكريم، عدة الرسل هذه قادت الملهمين والناجحين… وهي هنا من أرقى خصال الصائم، ليتحمل، ليس الجوع فقط، بل صعوبة الطاعة على كل ما يتطلبه الصيام، ولا عجب أن يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: “الصبر نصف الايمان“ و “الصبر ضياء“… نعم فصبر الصائم يعبد الطريق أمام قلبه ليتجه بكليته الى الله فقط، من هنا كان فضل الصوم كبيراً، وكان الصائم حبيب الله.

رابعاً: أبعد من الإنقطاع عن الطعام: نعرف فوائد الصوم الصحية والأدبية، لكن البعض سيبقى عاجزاً عن تقدير الصوم حق قدره، يقول سماحة المفتي الشهيد حسن خالد:” نلفت نظر المسلم إلى دور الصوم العظيم في صقل طبيعة المسلم، وأثره البعيد في بناء شخصيته وتكوينها، وتزويدها بمعطيات رائعة، يصبح فيها متمكناً مع الزمن من نفسه، مالكاً لزمامها، مختاراً في صنع خطاه الدنيوية، غير منقاد لهواه، أو منساق لشهواته.والحاذق من يتناول الصوم بالتحليل ليكشف عن بعض أسراره، إذ هو ظاهرة كفاحية وإيجابية إنسانية، وصدق الله العظيم حين قال: ((أرأيت من اتخذ إلاهه هواه… إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) / الفرقان 44. 

خامساً: العطاء: وكم يكبر الإنسان بالمشاركة، وما أحوج الصائم الى هذا الجوع ليحس فيتذكر الفقير والمسكين، وتجيش فيه عاطفة المحبة والرحمة والإحسان، فيسعى بالعمل الصالح ليسد رمقاً أو يعالج مريضاً أو يخفف ألماً أو يدفع بلاء، ويكون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى”

ويقول أيضاً: ”اليد العليا خير من اليد السفلى“ فهل عبر أحد بأجمل من هذا القول في العطاء؟ يد تعطي خير من يد تأخذ، يقول نصري سلهب في كتابه “في خطى محمد“: ”لقد مجدت العطاء حتى غدا العطاء في خجل من نفسه، أيستحق كل هذا؟ لو لم يستحق لما فعلت، ذلك أنك مؤمن بأن الحياة عطاء، تزول يوم يزول“.

دكتور أمين فرشوخ

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.