حديث الجمعة_ الكعبة المشرفة

42

الدكتور أسامه محيو
الكعبة المشرفة هي أقدس مكان عند المسلمين، فهي قبلة صلاتهم، والبناء الذي يطوفون حوله في الحج والعمرة، واستناداً لما جاء في القرآن الكريم: «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين», يعتبر بعض العلماء أن الكعبة المشرفة أول بيت بُني على سطح الأرض.
ومن جهة أخرى، أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، من طريق الشعبي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله:» إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة، قال: كانت البيوت قبله، ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله.»
ويترافق تاريخ المسجد الحرام مع تاريخ بناء الكعبة المشرفة. لكن، هناك عدة روايات حول بداية تاريخ بناء الكعبة. فيعتقد بعض علماء الإسلام، استناداً إلى روايات بعض الصحابة، « أن آدم عليه السلام هو أول من بنى المسجد الحرام بمعونة من الملائكة الكرام».
وعن ابن عباس -رضي الله عنه-، إذ قال: «فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَسَّسَ الْبَيْتَ، وَصَلَّى فِيهِ، وَطَافَ بِهِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى بَعَثَ اللهُ الطُّوفَانَ». وقيل: بل إبراهيم عليه السلام، وجُمع بين الرأيين فقيل إنّ إبراهيم رفع القواعد التي أسّسها آدم، بمساعدة ابنه إسماعيل، عليهم السلام. قال الله تعالى: «َوإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا، إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا. إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
وفيما بعد، تعرضت الكعبة المشرفة لسيل أدى الى انهيار قسم منها، فتم إعادة بنائها قبل بعثة النبي بخمس سنوات بقرار من قريش، وقد كلف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأن يكون حكماً لتسوية الخلاف الذي حصل بين القبائل على وضع الحجر الأسود، فأمر بوضعه في رداء تُمسك بأطرافه كل قبيلة، ثم وضع الحجر بيديه الشريفتين، وهكذا تمّ إعادة بناء الكعبة.
والحجر الأسود يوجد في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة من الخارج، وهو نقطة بداية الطواف ومنتهاه. فقد روى ابن عباس عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نزل الحجر الأسود من الجنة أبيض من اللبن فسودته خطايا بني آدم.» كما قال «إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب».
وفي عهد عبد الله بن الزبير، احترقت أجزاء من الكعبة المشرفة بعد غزو مكة، فأعاد بناء الكعبة. ولاحقاً أعاد الحجاج بن يوسف الثقفي بناء الكعبة في عهد عبد الملك بن مروان، ثم تجدد بناؤها عام 1040هـ في عهد السلطان مراد الرابع في العصر العثماني.
وللكعبة المشرفة سدانة تختص بالعناية بها والقيام بشؤونها من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت واستقبال زوّارها. «وتغسل الكعبة مرتين في السنة في 1 شعبان و15 محرم من كل عام من الداخل. تبدأ هذه المهمة بتأدية صلاة الفجر في الحرم، ومن ثم الدخول إلى الكعبة، ويتم الغسل بماء زمزم وماء الورد، وتمسح الجدران الأربعة، وتغسل بالماء المعطر، وتتم الصلاة فيها بعد الغسل».
وكسوة الكعبة هي عبارة عن قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليها آيات من القرآن من ماء الذهب، تُكسى بها الكعبة المشرفة، ويتم استبدالها مرة في السنة، وذلك في موعد استبدالها الجديد في غرة شهر الله المحرم مطلع كل عام هجري جديد، بدلاً الموعد القديم الذي كان يوافق يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة خلال موسم الحج.
وتعتبر كسوة الكعبة من الشعائر الإسلامية، التي قام به النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده. فقد ثبت أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين. وأما رفع كساء الكعبة المبطن بالقماش الأبيض في موسم الحج، إنما يُفعل لحمايتها من قطعها بآلات حادة للحصول على قطع صغيرة طلبا للبركة أو الذكرى أو نحو ذلك.
ويتولى «بنو شيبة»، منذ عهد قصي ابن كلاب، سيد قبيلة قريش، شرف احتضانهم مفتاح الكعبة المشرفة، قبل بدء الإسلام، الى يوم القيامة، جيلاً بعد جيل. وهم الذين أعاد إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة بعد فتح مكة.
وتعتبر سدانة الكعبة عهدة نبوية وإرث إسلامي عظيم منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة يوم فتح مكة.
وجاء في كتب السيرة عن عثمان بن طلحة « كنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظتُ له ونلتُ منه فحلم عني، ثم قال: يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما» بيدي أضعه حيث شئت، فقلت لقد هلكَت قريش يومئذ وذلت. فقال: بل عمُرت وعزت يومئذ. ودخل الكعبة فوقعت كلمته مني موقعا» ظننت يومئذ أن الأمر سيصير إلى ما قال.»
ولما كان يوم فتح مكة في العام الثامن للهجرة، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى عثمان بن طلحة ليأخذ منه مفتاح البيت الحرام، فأعطاه له كارها»، فدفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففتح الكعبة المشرفة وكسر الأصنام وغسلها بماء زمزم -ومن هنا سُن غسلها- ثم صلى بها ركعتين.
ونزلت عليه الآية الوحيدة داخل الكعبة وهي من سورة النساء المدنية، يقول تعالى « إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعمّا يعظكم به، إن الله كان سميعا بصيرا.» فخرج عليه الصلاة والسلام من الكعبة وهو يردد هذه الآية، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم أسمعها منه قبل ذلك، فنادى عثمانَ بن طلحة فقال له “هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء.»
ثم قال « خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم.. يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف،» قال فلما وليت ناداني فرجعت إليه فقال « ألم يكن الذي قلت لك؟» قال « فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة لعلك سترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت،» فقلت “بلى أشهد أنك رسول الله”.
وبعد عدة أيام من موسم الحج الأخير، توفي الدكتور صالح الشيبي، بعد أربع وأربعين عاماً من توليه سدانة الكعبة، وهو آخر سادن من بني شيبة، وترتيبه السابع والسبعون منذ فتح مكة، والتاسع بعد المئة منذ الجاهلية.
الدكتور أسامه محيو

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.