حديث الجمعة _ كلنا مسؤولون

5

المهندس بسام برغوت

حرص الإسلام على إعلاء قيمة المسؤولية؛ فكل إنسان مسؤول بقدر استطاعته ونطاق تحمّله المهام الموكلة إليه، وقد خاطب الإسلام بهذه المسؤولية كل فرد وأسرة ومجتمع، وجعل القيام على حقها سبيلًا لكل تقدُّم ورقيّ، وسببًا لحياة سعيدة وآخرة طيبة.

وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: “كُلُّكُمْ رَاعٍ ومسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ومسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مسؤولة عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ”.

ولقد جاءت العديد من قصص الصحابة التي تدلُّ على تحمّل المسؤولية وتبّين كيفيتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:

  • السيدة خديجة رضي الله عنها: إنَّ السيدة خديجة رضي الله عنها من الأوائل الذين تحمّلوا المسؤولية مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكانت معه جنبًا إلى جنب وضحّت بكل ما تملك في سبيل الدعوة الإسلامية.
  • أسامة بن زيد رضي الله عنه: الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم على يديه منذ الصغر، ثم في سن السابعة عشرة يُكلفه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش فيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وعندما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوارِ ربّه، أنفذ أبو بكر رضي الله عنه بعثة أسامة فتحمل المسؤولية ومضى في مهمته وعاد منها محققًا الغاية التي من أجلها أُرسل الجيش؛ والعجب هو ما كان يقوله الصحابة عن بعث أسامة: “ما رأينا أسلم من بعث أسامة”؛ ذلك أنَّ الله تعالى قد حفظ أفراد الجيش حتى رجعوا سالمين.
  • عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الذي كان يتفقد الرعيّة في ظلمات الليالي، فسمع طفلًا يبكي فقال لأمه أرضعيه فلم يسكت الطفل، فكررعليها ذلك، فقالت فطمته حتى ننال الصدقة من بيت مال المسلمين، فذهب وأحضر كيسًا كبيرًا من الدقيق وحملهُ على ظهره، وفي اليوم التالي سنَّ قانونًا يُنفق فيه على الفطيم والرضيع من بيت مال المسلمين.

إنَّ للمسؤولية جوانب متعددة والجمع بين هذه الجوانب فيه أجرٌ وخير عظيم، ومنها ما يأتي:

  • المسؤولية تجاه الله سبحانه وتعالى بعبادته ولزوم طاعته.
  • المسؤولية تجاه النبي عليه الصلاة والسلام بالاقتداء به والالتزام بسنّته.
  • المسؤولية تجاه القرآن الكريم بتلاوته وحفظه وتدبّره وتعليمه للناس.
  • المسؤولية تجاه دين الإسلام بنشره والدفاع عنه.
  • المسؤولية تجاه النفس بتهذيبها وتربيتها على الأعمال الصالحة.
  • المسؤولية تجاه الوالدين ببرّهما والإحسان إليها.
  • المسؤولية تجاه الأولاد بتوفير الحاجيات الأساسية لهم والحرص على تنشئتهم تنشئةً صالحة.
  • المسؤولية تجاه الأقارب بصلتهم والإحسان إليهم ومساعدتهم.
  • المسؤولية تجاه اليتامى بعونهم وكفالتهم.
  • المسؤولية تجاه المساكين بإغاثتهم وإمدادهم بالمال.
  • المسؤولية تجاه الضعفاء وكبار السن بمدّ يد العون لهم والإحسان إليهم.
  • المسؤولية تجاه المظلومين بنصرتهم والوقوف معهم.
  • المسؤولية تجاه المرضى بزيارتهم ومساندتهم والدعاء لهم.

عندما يكون الشخص مسؤولاً عن نفسه، يكون مدركاً بأن ما يحصل في حياته هو نتيجة قراراته، وبالتالي سيصبح أكثر حذراً وحرصاً عند اتّخاذه أيّ قرار، وسيكون حريصاً على أن تتوافق الأمور التي يفعلها في حياته مع الأهداف التي يطمح لتحقيقها، وسيسعى إلى تلافي العواقب والأمور السلبية التي قد تؤدي للفشل أو إلى التراجع عن النجاح والوصول للأهداف.

عندما يتحمّل المرء المسؤولية الكاملة عن حياته يصبح حراً تماماً، فيتمكّن من اتّخاذ القرارات في حياته والقيام بالأمور التي يرغب بها أو عدم القيام بما لا يحبه، وسيتعلّم من أخطائه ويتحمّل عواقب أفعاله، ويشار إلى وجود عدة نتائج إيجابية تندرج تحت تحمّل المسؤولية، وهي:

  • الثقة بالنفس واحترام الذات: حيث تزيد قدرته على رسم مسار حياته بنفسه وشعوره بامتلاك مصيره؛ وهو شعور رائع يعطي قوة للإنسان.
  • التوقّف عن الخوف: بمجرّد اكتساب الشخص المزيد من الثقة تتقلّص الأفكار السلبية لديه، ويتوقف عن الشعور المستمر بالخوف، سواءً كان الأمر خوفاً من الرفض، أم من الفشل، أم من حكم الآخرين عليه.
  • التحكّم والسيطرة: يستطيع من يتحمّل مسؤولية حياته وقراراته أن يكون القائد الأول لحياته، ويستطيع التحكّم والسيطرة على الأحداث، واتّخاذ القرارات التي تخصّه دون تدخّل من أحد.
  • عدم إلقاء اللوم على الآخرين.

ختاماً،

أكد النبي صلى الله عليه وسلم على أن مسؤولية الانسان أمام ربه عن كل عمل أو نية أو قول سيحاسبه عليها يوم القيامة، فقال: “لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ“.

ولن ينجيه إلا صدقه وإخلاصه وخشيته من ربه.

ونبهنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنَّ هنالك مسؤولية تقع على عاتق المجتمع حيث قال: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ“، فقد جعل الخيرية مرتبطة بمسؤولية إصلاح المجتمع وحمايته من المنكرات، وهذا دليلٌ على أهمّية المسؤولية وعظيم شأنها وانعكاسها على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة.

المهندس بسام برغوت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.