حديث الجمعة _ قصة الحج في الاسلام

99

المهندس بسام برغوت

يعتبر “الحج” اعظم مؤتمر سنوي اسلامي يلتقي فيه المسلمون من جميع انحاء العالم مع اختلاف الوانهم ولغاتهم، تجمعهم  رابطة الاسلام  وهم ينشدون «لبيك اللهم لبيك». فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، وشعيرة من شعائر الله العظيمة، لقول الله تعالى “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا”.

وردت كلمة “حج“ بمعنى “قَصد وَزِيَارةُ مَكَانُ مُقَدسَ“ حيث كان في الماضي لكل قوم الهة، ولهذه الالهة أماكن يَقصَدها للحج والتعبد، ويكون الحج بأدعية وتوسلات عند مخاطبة الالهة، وكان الحج عند العرب قبل الاسلام في شهر ذي الحجة كما هو حجنا اليوم .

بدأ الحج في جزيرة العرب مع بناء البيت الحرام الذي جعله الله اول بيت وضع للناس بعد ان رفع قواعده ابو الانبياء سيدنا ابراهيم عليه السلام وقد امره الله ان يسكن اسرته عنده، كما امره بأن يُؤَذّن في الناس ليصبح الحج شريعة وعبادة متبعةً وموسماً حَرِصَ العرب عليه.

عندما جاء الاسلام، كانت قريش مازالت تُمارس الشعائر القديمة، وكان النبي ﷺ يشهد الحج كعادة العرب كل عام، وبعد البعثة الشريفة حرص عليه الصلاة والسلام على أبلاغ دعوته الى القبائل الوافدة الى الحج، وأستمر على هذا كل عام حتى هجرته الشريفة الى المدينة .

في السنة التاسعة للهجرة أوفد النبي ﷺ بعثة “حج” على رأسها الخليفة ابو بكر الصديق رضي الله عنه ليؤذن في الناس، وليؤكد للناس انه لا يحج ولا يطوف بعد عامه هذا الا مُسِلمٌ لقول الله تعالى:- “يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا”، فكانت حجته  تمهيداً لحجة النبي ﷺ. في العام الذي يليه، أي في السنة العاشرة للهجرة.

في هذه السنة  اي في السنة العاشرة للهجرة، أعلن الرسول محمد ﷺ عن عزمه زيارة المسجد الحرام “حاجاً”، وأحرم للحج ثم لبى قائلاً : ”لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك“. وبقي مُلبياً ومن معه حتى دخل مكة، وطافوا بعدها جميعاً بالبيت الحرام سبعة أشواط واستلموا الحجر الأسود وصلّوا ركعتين عند مقام إبراهيم وشربوا من ماء زمزم، ثم سعوا بين الصفا والمروة، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة توجهوا إلى منى فباتوا فيها، وفي اليوم التاسع توجهوا إلى عرفة فصلوا فيها الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر،ثم خطب رسول الله ﷺ  “خُطبة الوداع” والتي نزلت بعدها الآية: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا“ (سورة المائدة).  وبعد غروب شمس يوم عرفة نزل الرسول ومن معه إلى مزدلفة وصلوا المغرب والعشاء فيها جمع تأخير، ثم نزلوا إلى مِنى وأتموا مناسك الحج من رمي للجمار والنحر والحلق وطواف الإفاضة.

يرجع منسك السعي بين الصفا والمروة اثناء تأدية فريضة الحج إلى زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام، حيث تعتبر زوجته السيدة هاجر أول من سعى بين الصفا والمروة، حينما كانت تلتمس الماء لابنهما النبي إسماعيل وكان طفلاً، وكانت تصعد على جبل الصفا ثم تنزل حتى لتصعد ثانية الى جبل المروة، وقد كرَّرت ذلك سبعة مرات، حتى وجدت الماء عند موضع زمزم، فشربت وأرضعت ولدها. فلما جاء الإسلام جعل ذلك من مناسك الحج.

ويرجع منسك رمي الجمرات الثلاث (الكبرى والوسطى والصغرى) على امتداد ايام العيد الثلاثة الاولى في مشعر مِنى الى زمن سيدنا ابراهيم عليه السلام ايضاً، اذ انه عندما همّ بتنفيذ رؤياه بذبح ابنه سيدنا إسماعيل عليه السلام، اعترضه إبليس  في ثلاث مواضع ليصده عن ذبح إبنه إسماعيل عليه السلام، فرماه سيدنا إبراهيم بسبع حصوات في هذه الأماكن التي يقوم الحجاج فيها برمي الجمرات، فلما جاء الإسلام جعل ذلك الرمي من مناسك الحج.

أما منسك الوقوف  بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة والذي يبدأ مع زوال شمس ذلك اليوم ويستمر حتى طلوع فجر اليوم التالي الذي هو اول ايام عيد الأضحى، فيرجع الى وقوف سيدنا محمد ﷺ بجبل عرفة في “حجة الوداع” في السنة العاشرة للهجرة، اي في يوم اطلق عليه “يوم عرفة“ والقاءه “لخطبة الوداع“ لتعم بركة  ذلك اليوم  على المسلمين لقوله ﷺ : “خير الدعاء دعاء يوم عرفة”، وقوله “ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة”. ليصبح وقوف الحجيج  بعرفة في ذلك اليوم منسكاً من مناسك الحج.

ختاماً، ان اركان الاسلام الخمسة تتماهى وتتكامل، فشهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله هو تماهٍ يحقق الوحدة بين المسلمين. والصلاة مع الجماعة تماهٍ يحقق وحدة المجتمع الإسلامي كتفاً الى كتف خمس مرات في اليوم، والصوم  يحقق مشاركة الجماعة سواءً بالامتناع عن الطعام والشراب او في الافطار في وقت واحد. والزكاة – وكذلك الصدقة – حق معلوم من القادر الى المحتاج تحقيقاً للتكافل الاجتماعي الذي يدعو له الاسلام، ليأتي الحج بأروع تجلياته، مناسبة يتحقّق فيها توحيد الله تعالى، يُظهر فيها الحجّاج افتقارهم لعظمته – عز وجل -؛ فيلبسون متوحدين ومجتمعين ملابس الإحرام  بزي واحد وكساء واحد وبدعاء واحد وبتوجه الى الله الواحد، متجرّدين من كلّ مظاهر الزينة، في مشهد مهيب يذكّرهم بيوم الوقوف بين يديّ الله – عز وجل -؛ فتلهجُ ألسنتهم بذكر الله، وتعمرُ قلوبهم باستشعار رحمته وعفوه سبحانه وتعالى. ذاكرين الحديث القدسي الذي رواه الصحابي جابر أبن عبدالله الانصاري رضي الله عنه عن يوم عرفة في قوله:- “يتجلى الله تعالى في السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً ضاجين جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي“.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.