حديث الجمعة _ بالشكر تدوم النعم

26

المهندس بسام برغوت

إنّ معرفة الله سبحانه وتعالى من أعظم النِعم على الإنسان، فمعرفة الله تمنح المؤمن ثقة فى دينه؛ لأنّ حقيقة العلم بوجوده سبحانه وتعالى تمنح العبد القدرة على تحمّل مصاعب الدنيا؛ لعلمه بوجود ربّ يملك صفات الكمال والعدل وتنتهي إليه جميع أمور البشر. وكل قدرٍ من ربّ عادلٍ رحيم يملأ الروح بالرضى، فيطمئن القلب وترتاح النفس لهذه المعرفة، ومعرفة الله عند المسلم توجب الحب والطاعة، وتوجب الحياء منه عند الذنب، وتوجب السعي لرضاه .

ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “ سَلوا اللهَ العفوَ والعافيةَ، فإنَّ أحداً لم يُعطَ بعدَ اليقينِ خيراً منَ العافيةِ “،وإن كانت نعم الله تعالى على عباده لا تُعدّ ولا تُحصى، فإنّ أول ما يعدّ من نعمه وأفضاله بعد الإسلام والتوفيق له العفو والعافية، ولفظ العفو والعافية جامعٌ شاملٌ لكلّ شؤون العبد في حياته وآخرته، فالعافية في الدين سلامةٌ من كلّ شبهةٍ وفتنةٍ وضلالةٍ، والعافية في الدنيا السلامة من كلّ همٍّ وغمٍّ وسقمٍ وحزنٍ، ولشمول العفو والعافية جميع شؤون العبد كانت مطلباً دينيّاً ودنيوياً، داوم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على سؤاله والدعاء به على مدار الأوقات والأيام، وأوصى أصحابه أن يسألوا الله العفو والعافية، وجعل ذلك من الأذكار التي يردّدها المسلم.

ولا بد أن نذكر مثالاً من حياة خير الخلق والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصينا بترديده دائماً، حيث قال للصحابي معاذ بن جبل: “يا مُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ”.

ان الأنبياء كانوا من اشد الناس شكراً لله تعالى ، ولهذا الشكر صفات نوردها ادناه :

الشكر صِفة أهل الجنة: ورد في النصوص الشرعية أنّ أهل الجنة يشكرون الله كثيراً على كلّ ما آتاهم من نِعمٍ لا تُعدّ ولا تُحصى، ومنها أنهم في الجنة عندما يغتسلون من نهر الحياة ويرون نعيم الآخرة يقولون كما جاء في قوله تعالىفي القرآن: “ وَقالُوا الحَمدُ لِلَّـهِ الَّذي هَدانا لِهـذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّـهُ “ (سورة الأعراف )، وعندما يستقرّون في الجنة ونعيمها يقولون: “ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ” (سورة فاطر) ،وغيرها الكثير من الأمثلة التي تُبيّن شكر أهل الجنة لما أنعم الله عليهم.

الشكر سرّ دوام النعم وزيادتها: إن الله سبحانه هو المُنعم على عباده، ومما أخبرنا به أنّ مَنْ يشكر الله بصدقٍ على النّعم، يديمها الله ويزيدها سعةً ، ومن جحد ولم يشكر الله، وظنّ أن ما لديه من نعمٍ هي من صنع يديه؛ عاقَبه الله باندثار تلك النعم وزوالها .

ثناء الله تعالى على أهل الشكر: ما أعظم أن يستشعر المسلم ثناء الله عليه عندما يقوم بواجب الشكر على النعم، وهي في الأساس كلّها من عنده سبحانه.

جَعْلَ الله الشكر سَبَبًا لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ: إذ قال تعالى: “ وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ” (سورة إبراهيم )، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنهلرجلٍ: “إنَّ النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلقٌ بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله عز وجلحتى ينقطع الشكر من العبد”.

وَعْدَ الله تعالى الشّاكرين بِأَحْسَنِ الجَزَاء:فالشكر يُقرّب المسلم إلى الله عز وجل إنّ أهمّ ما  يُصيب الإنسان حين يُعَوِّدُ نفسه على شكر الله هو استشعاره بالقرب من الله .

عدم الشكر على نعم الله هو باب لفقدان النعم: يقول حسن البصري: “إن الله ليمتّع بالنّعمة ما شاء فإذا لم يُشكر عليها قلبها عذابًا”، ولهذا فقد كان بعض الناس يُسمّون الشكر بـ الحافظ؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب؛ لأنه يجلب النعمَ المفقودة.

الشكر سببٌ للثبات على الإيمان: فقد ربط الله سبحانه في كتابه العزيز قوة الإيمان والثبات بشكر الله؛ لأنه لا يشكر الله إلا من كان على إيمانٍ قويٍ، وصدق نيّة وثبات.

ختاماً ، جعل الله سبحانه وتعالى جزاء الشاكرين مفتوحاً لا حصر له ولا حدّ، فلم يُبيّن مقداره؛ لأنه أعظم من أن يُبيَّن، ولكل شاكر جزاء بما شكر، فقال تعالى: “وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ” (سورة آل عمران )، وقال: “ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ” (سورة آل عمران ) ، فكلما زاد المسلم من شكر ربه زاده الله الأجر وعَظُم له الثواب ، فعندما كان شكر الله تعالى لا نهاية له لأنّ نِعَمه مستمرة؛ جَعَل الله جزاءه مستمرّاً ولا حدّ له.وقد وصف الله تعالى كيف أحاطت نعمه بالناس لكنّ أكثرهم غفل عن الشكر، فقال تعالى: “ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ” (سورة الأعراف ) ، ولحث الناس على شكر الله جعل الله ثواب الصابرين والشاكرين من أعظم الأجورِ على الاطلاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.