حديث الجمعة _ اللجوء الى الله

18

المهندس بسام برغوت

يتعرض الإنسان في حياته لهموم وبلاء وأوجاع تثقله في تحمله لها لكثرتها أو لقوتها عليه، وفي تلك اللحظات يجب على العبد أن يلجأ إلى ربه؛ ليُعينه على قضاء حاجاته ويدبّر له شؤونه، ويعينه عليها مستعينا بقوله تعالى: «إياك نعبد وإياك نستعين» (سورة الفاتحة)، وتكون هذه الاستعانة باللجوء إلى الله سبحانه بقلب يمتلئ رغبةً وثقةً به، وإنّ لتفريج الكُرب وصايا ربانيّةً ونبويّةً يستعين بها العبد على قضاء حاجته، يُذكر منها ما يأتي:

الشكوى لله، قال الله تعالى: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» (سورة المجادلة).

السجود لله والدعاء له، خفية وتضرعاً: جاء في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» .

مناجاة الله، وبثّ الأحزان والهموم إليه: قال تعالى على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام عند ضياع ولده يوسف: «قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ». (سورة يوسف) وقال تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» (سورة غافر).

تقوى الله تعالى: ففي تقوى الله يتيحّن العبد طاعة الله ورضوانه، ويتجنّب نواهيه ومحلّ سخطه، فينال بذلك العون من ربه وتفريج كربه، قال الله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا».(سورة الطلاق)

المحافظة على الصلوات: فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا نزلت به نازلةً يفزع إلى الصلاة، فبها يُستعان على أمور الدنيا والآخرة.

ملازمة الاستغفار: وتجديد التوبة، وكذلك كانت الوصية بالاستغفار مقرونةً في القرآن الكريم بتوسعة الرزق، وجلب البركة، ودفع الضرّ والكرب.

التوكّل على الله: وفيه صدق اعتماد الإنسان على ربه في تدبير شؤونه، مع الأخذ الكامل بأسباب الخير والفرج.

الصلاة على النبيّ صلّى الله عيه وسلّم: وقد أخبر الله تعالى في القرآن الكريم أنّه يصلي على نبيّه وملائكته، ثمّ أمر المؤمنين بعد ذلك بالصلاة عليه، فقال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (سورة الأحزاب)، وصلاة الله سبحانه ثناءٌ وتعظيمٌ لنبيّه، وفي الحديث أنّ رجلاً جاء للنبيّ يسأله عن أن يكون ذكره كلّه صلاةً عليه، فكانت إجابة النبيّ أن يُكفى الرجل ما أهمّه بإذن الله تعالى، ولذلك فإنّ دوام الصلاة على نبيّ الله هي تفريجٌ للكربات، ودفعٌ للهموم، وتيسيرٌ للشدائد.

أن اللجوء إلى المولى سبحانه في أوقات الشدة والرخاء، وفي كل ما يعرض للعبد من سوء وبلاء، هو دأب الأنبياء والصالحين من عباد الله تعالى، فما من نبي من الأنبياء أصابه ضر ومصيبة إلا ولجأ في دعائه وتضرعه واستغاثته إلى الله مالك الملك، ومدبر الأمر، وخالق الكون فيكشف الله ما نزل به، ويرفعه درجات، ويزيده من فضله وعنايته، فالله أكرم من أن يرد سائلًا، أو يخيب ظن قائلًا؛ كيف وهو القائل:»أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ» (سورة النمل).

كما إن التضرع إلى الله والالتجاء إليه في كل فاجعة أو بلية، من علامات الإيمان، ودرجات الإحسان، وهو دليل على حياة القلوب، وسلامة الصدور، والتوسل إلى الله بأسمائه، والتضرع إليه بصفاته من فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مخلوق يقع في مأزق، أو إنسان تنزل به مصيبة، إلا ويجد في نفسه قوة تدفعه إلى التوجه إلى الله مباشرة دون واسطة يطلب منه النجاة، ويلتمس منه الشفاء، وما من أمة من الأمم السابقة تصيبها كارثة، أو فاجعة، أو نازلة، إلا توجهت إلى خالقها، واندفعت إلى بارئها، تطلب منه العون والمدد، وتستمد منه كشف الضر عنها؛ قال تعالى: «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (سورة يونس).

ختاماً، إنّ من الوصايا النبويّة لدفع الشدائد عن العباد أن يقترب العبد من ربه في الرخاء، فيشكره على فضله وهو في صحته، وسعةً من رزقه، وسائر أمره، واستقامته وبقائه ملازماً للطاعات، فإن كان كذلك فإنّه ينال معيّة الله في الشدّة، فيجعل له من كلّ همّ فرجاً، ومن كلّ ضيقٍ مخرجاً.

وقد أوصى النبي صلّى الله عليه وسلّم العباد بالإقبال إلى ربّهم في الرخاء، حتى يعرفهم بالشدة، فقال: «تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ» ومعناه أن يكون العبد دائم التوجّه إلى الله بالدعاء في أيام رخائه، فيكون مُقبلاً على الله في السعة والصحة والأمن، من خلال طاعته، فذلك الذي يجعل العبد مستحقّاً لتفريج الله، وتنفيسه لكربه إذا وقع في ضيقٍ وشدّةٍ بعد ذلك.

نسأل الله تعالى ان يفرج عنا وعن بلادنا كل سوء، وأن يرفع كل بلاء.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.