حديث الجمعة – “يد الله مع الجماعة”

15

المهندس بسام برغوت

التعاون في الإسلام: قيمة إنسانية ومبدأ إيمانية، ومن أبرز القيم الإنسانية التي حثّ عليها الإسلام، فهو أساس بناء المجتمعات القوية، وركيزة لتحقيق التكافل والتعاضد بين الأفراد. وقد جعل الإسلام من التعاون أحد المبادئ الأخلاقية التي تحقق التوازن الاجتماعي والروحي، حيث تتكامل الجهود، ويتحقق الخير العام. في هذا المقال، سنتناول مفهوم التعاون في الإسلام، أهميته، أنواعه، وأثره في بناء المجتمعات.

يعني التعاون في الإسلام  تآزر الناس فيما بينهم لتحقيق الأهداف المشتركة التي تعود بالنفع على الجميع. وهو فعل نبيل يقوم على تقديم المساعدة للآخرين، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات. وقد طلب الله سبحانه وتعالى التعاون بين عباده، حيث قال في كتابه الكريم: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” (سورة المائدة). تشير هذه الآية إلى أن التعاون مطلوب في كل ما يُحقق الخير والفضيلة، بينما يحرم التعاون على ما يؤدي إلى الشر والفساد.

تكمن أهمية التعاون في الإسلام كونها:

  • تحقيق التكافل الاجتماعي: حيث يكون القوي عونًا للضعيف، والغني سندًا للفقير، والعالم هاديًا للجاهل. وبهذا يتحقق التوازن بين مختلف فئات المجتمع .
  • تعزيز الوحدة والتماسك: التعاون يزيل الفوارق بين الناس ويقوي الروابط الإنسانية، حيث يشعر كل فرد بأنه جزء من مجتمع يهتم به ويقدّر جهوده. وبهذا يصبح المجتمع أكثر ترابطًا وقدرة على مواجهة التحديات.
  • تزيد الإنتاجية وتحقيق النجاح: عندما يتعاون الأفراد في العمل، تتكامل الجهود وتتوزع المهام، مما يؤدي إلى تحقيق أهداف أكبر وبجهود أقل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يد الله مع الجماعة”، وهو تأكيد على أهمية العمل الجماعي.
  • تعزيز القيم الإنسانية: مثل المحبة، الإيثار، والتسامح. فكلما زاد التعاون بين الناس، ازداد التفاهم بينهم وقلّت النزاعات والخلافات.

تدعم التقدم والتنمية: من خلال التعاون، تتقدم المجتمعات وتزدهر. فالتعاون يسهم في تحقيق المشاريع الكبيرة التي قد تعجز الجهود الفردية عن تحقيقها، مما يؤدي إلى تطور اقتصادي واجتماعي مستدام.

أنواع التعاون في الإسلام:

  • التعاون المادي: ويتمثل في تقديم الدعم المالي أو العيني للمحتاجين، مثل مساعدة الفقراء، تقديم الصدقات، أو الإسهام في المشاريع الخيرية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
  • التعاون المعنوي: ويتمثل في تقديم النصيحة والإرشاد، أو مشاركة الآخرين في أفراحهم وأحزانهم. فعلى سبيل المثال، يُعدّ الإرشاد إلى طريق الخير نوعًا من التعاون.
  • التعاون في العلم: يشمل هذا النوع نشر المعرفة وتعليم الآخرين، سواء في أمور الدين أو الدنيا. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُشجع على طلب العلم وتعليمه، حيث قال: “خيركم من تعلم القرآن وعلّمه”.
  • التعاون في العمل: يتمثل في مشاركة الأفراد في أداء الأعمال المختلفة لتحقيق النجاح. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في هذا المجال، حيث كان يشارك أصحابه في الأعمال الجماعية، مثل بناء المسجد النبوي وحفر الخندق.
  • التعاون الأسري: التعاون بين أفراد الأسرة يُعدّ الأساس لبناء أسر متماسكة. فعندما يتشارك الزوجان والأبناء في المسؤوليات، يتحقق التفاهم وتُزرع قيم الاحترام والإخلاص داخل الأسرة.

للتعاون اثر في بناء المجتمعات منها:

  • تعزيز الأمن والاستقرار: المجتمع الذي يسوده التعاون هو مجتمع قوي ومتماسك، مما يجعله قادرًا على التصدي للصراعات والأزمات.
  • تحقيق العدل والمساواة: التعاون يضمن توزيع الفرص والموارد بين أفراد المجتمع بشكل عادل، مما يحقق شعورًا بالرضا والانتماء.
  • نشر الخير: من خلال التعاون، يتمكن الناس من نشر الخير بين أفراد المجتمع، سواء في مجال التعليم، الصحة، أو أي جانب من جوانب الحياة .
  • الارتقاء بالأخلاق: التعاون يُرسّخ قيمًا نبيلة كالصدق، الأمانة، والإيثار، مما يؤدي إلى تحسين الأخلاق العامة في المجتمع.
  • تعزيز الشعور بالمسؤولية: عندما يتعاون الأفراد، يشعر كل شخص بمسؤوليته تجاه مجتمعه. وهذا يعزز من انتماء الأفراد إلى بيئتهم ويسهم في استقرار المجتمعات.

للتعاون فوائد كثيرة تعود على الفرد والمجتمع بالخير والنفع، منها:

  • الاستفادة من الخبرات المتبادلة بين أفراد المجتمع في شتى نواحي الحياة.
  • تحقيق تماسك المجتمع وقوته.
  • توفير الوقت والجهد، والإسهام في إنجاز الأعمال الكبيرة في وقت قصير.
  • إعانة المظلوم، والمساعدة في تجنّب انتشار الظلم.
  • سلامة القلوب وتنقيتها؛ مما يفسدها من الضغائن والأحقاد تجاه الغير.
  • تحقيق مبدأ العمل الجماعي والإتقان في الأعمال.
  • التعاون سببٌ لمحبة الله تعالى ومحبة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.
  • التعاون ثمرة من ثمار الإيمان.
  • التعاون سبب لقرب النّاس ومحبتهم.

ختاماً،

التعاون في الإسلام ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل هو مبدأ إيماني وجزء من عبادة الله. فهو يُعزز الأخلاق الحميدة، ويُحقق التماسك بين أفراد المجتمع، ويضمن بناء حضارة إنسانية قوية. لذا، ينبغي علينا أن نجعل من التعاون أسلوب حياة، نمارسه في كل تفاصيل حياتنا، انطلاقًا من توجيهات ديننا الحنيف، وبإيمان عميق بأن الخير الذي نقدمه للآخرين سيعود إلينا نفعه وثوابه أضعافًا مضاعفة.

المهندس بسام برغوت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.