حديث الجمعة – وجوب التحاكم الى شرع الله
المهندس بسام برغوت
يقول الله تعالى في القران الكريم: “فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا“ (سورة النساء)، تعني هذه الاية الكريمة الدعوة للاحتكام الى شرع الله وهذا يعني أن تكون الشريعة الإسلامية اساس التحكيم في جميع شؤون حياة المسلم، الاجتماعية، والفكرية، والسياسية، والاقتصادية، بمعنى أن تكون الشريعة الإسلاميّة مرجعه في جميع أمور حياته وعلاقاته، ولا يقتصر ذلك على مجرد الخلافات والنزاعات.
خاطب الله تعالى المؤمنين في حالة اختلافهم في شيء من أمر دينهم فيما بينهم، أو فيما بين ولاة أمرهم وتنازعوا في أن يردُّوا معرفة حُكم الله إلى كتاب الله تعالى، فإنْ وجدوا فيه حُكْمًا اتَّبعوه، وإلاَّ ففي سنَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهذا من علامات التَّصديق بالله تعالى وباليوم الآخر. وفي الآية دليل على أنَّ مَنْ لم يحتكم في مجال النِّزاع إلى الكتاب والسُّنَّة، ولا يرجع إليهما فليس مؤمنًا بالله، ولا باليوم الآخر. وكما أنَّ الآية تُوجب الاحتكام إلى شرع الله تعالى؛ فأنها تحرم التَّحاكم إلى غير شرع الله؛ لأنَّ ما حَكَمَ به الكتاب والسُّنَّة، وشَهِدا له بالصِّحة فهو الحقُّ، وماذا بعد الحقِّ إلاَّ الضَّلال؟ ولهذا قال تعالى: “ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ “(سورة النساء) أي: ردُّوا الخصومات والاختلافات إلى كتاب الله، وسنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فالإيمان لا يجيز الرَّد إلى غيرهما.
يقول الله تعالى: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا“ (سورة النساء). ان التَّحاكم إلى شرع الله مرتبط بالإيمان بالله وبكتاب الله مصدر التشريع الالهي، فالمؤمنون مؤمنون؛ لإسلامهم وتسليمهم بحُكْم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي يَحْكم به استناداً الى شرع الله، والكافرون كفَّار؛ لإستسلامهم قلبًا وقالبًا لشرائع غير الله، ولا يؤمن أحدٌ حتَّى يُحكِّم الله ورسوله في جميع أموره.
ان الحكم بما أنزل الله واجب على كلّ مسلم ويعني ذلك الخضوع لشرع الله ويعني الحكم بما أنزل الله، إقامة الدين الذي ارتضاه الله وحمله الأنبياء للناس، وأمر رسوله محمداً أن يحكم بين الناس بما أنزل عليه، وجعل التحكيم إلى شرعه من شروط الإيمان والدليل عليه، والرضا بحكم الله والخضوع والاستسلام له.
هناك جوانب عديدة من تحكيم شرع الله نذكر منها:
العمل على تحكيم شرع الله في الزواج والطلاق وغيره من الامور الحياتيه وكذلك في قضايا الخلافات والصراعات بين الناس.
العمل على رفع الظلم، وحفظ الأمن، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، ومحاربة الفساد بجميع أشكاله.
والعمل على فضّ النزاعات بين الناس والاصلاح بينهم، ورعاية أمورهم ومصالحهم.
من اجل ذلك تعتبر الشريعة الإسلامية أكمل الشرائع وخيرها، وختم بها رسالته الى العالم، وجعلها صالحة لكل مكان وزمان وحتى قيام الساعة، وميزها بالعدل، والثبات، واليسر، والتوسّط، والمرونة حتى تلائم المتغيرات التي تمرّ فيها الأمة، فتحكيم شرع الله لا يعني أن يكون لكلّ قانون أو نظام نص شرعي خاصّ، بل يكفي أن يكون منطلق وأساس هذا النظام متوافقاً مع الشرع بما يخدم المصلحة العامّة، ومصلحة الفرد.
ان آثار تحكيم شرع الله عديدة منها:
إقامة الدين الله وتطبيق شرع الله.
اتباع أوامر الله تعالى، ونيل رضوانه ومحبّته تحقيقاً للسعادة في الدنيا والآخرة.
توحيد صف المسلمين وجمع كلمتهم.
تحقيق النصر والتمكين، والأمن والاستقرار في المجتمعات التي تطبق شرع الله.
السعة في الرزق، والحياة الكريمة.
ختاماً، يتلاقى العقل والشرع على أهمية تحكيم شرع الله في جميع شؤون الحياة؛ فالله خلق الانسان في أحسن تقويم، وهو أعلم بخلقه، وبما يفسدهم او يصلحهم، ولذلك لا يمكن أن يكون في تشريعه إلا ما يحقق لهم السعادة في الدنيا والاخرة.
يقول تعالى: “أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ“ (سورة الشورى). هذه الآية الكريمة توجب الاحتكام إلى شرع الله، فالله خبير بعباده وهو اعلم بما ينفعهم وما ويضرهم، فكانت شريعته سبحانه وتعالى نوراً وهدى للانسان المؤمن في الدنيا والاخرة.
المهندس بسام برغوت