حديث الجمعة – حج مبرور وسعي مشكور

44

المهندس بسام برغوت

بعد انقضاء عيد الأضحى المبارك، الذي يحتفل به المسلمون في جميع أنحاء العالم في العاشر من شهر ذي الحجة من كل عام، يعود الحجاج القادمون من الديار المقدسة إلى بلدانهم، إلا أن هذه العودة تتخللها احتفالات خاصة وعادات تختلف فيما بينها حسب الدول.

رغم أن هناك هذه الاختلافات، فإن جميع الدول تتشارك فيما بينها في عادات استقبال الحجاج، كما تأتي هذه العادة تيمناً واقتداء بالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام عند هجرته إلى المدينة واستقباله من قبل أهلها باحتفال وهدايا.

تتشابه كل من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن فيما بينها في عادات استقبال الحجاج، رغم أن هذه العادات بدأت تتغير مع مرور الزمن، فإن هناك بعض العادات التي لا تزال قائمة إلى اليوم، من بين أهم هذه العادات نجد تزيين البيوت مصحوبة بأجمل عبارات الترحيب ولافتات خاصة بهذه المناسبة تحمل آيات قرآنية، فيما يحب البعض تزيين المنازل والأزقة بالمصابيح المضيئة، والتي تكون على شكل نجوم إلى جانب صور الكعبة المشرفة.

أما عند بعض العائلات، فيقوم أفراد منهم بنحر الاضحية وتوزيع لحومها على الفقراء والمساكين، كما يتوافد المستقبلون حاملين الهدايا ليهنئوا الحجاج بعودتهم سالمين إلى أوطانهم، متطهرين من الذنوب والمعاصي والآثام، حيث أصبحت صحائفهم بيضاء نقية، ويجلس المعازيم مع الحجاج ليسمعوا منهم عن روحانيات الرحلة المباركة وزيارة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم. كما يتم توزيع مياه زمزم وأشهى التمور على الضيوف، وتعتبر هذه العادة مشتركة في كل البلدان التي تقيم مراسم استقبال الحجاج.

يعرف استقبال الحجاج في العراق عادات متوارثة وما زالت مستمرة، وتبدأ منذ وصول الحجاج، إذ يستقبلهم الأقرباء في مواكب السيارات في أجواء من الاحتفال والأهازيج، وما يميز استقبالهم للحجاج الفرق الشعبية الموسيقية، التي تجول في الحي لاستقبال الحجاج وتعزف الموسيقى، كما تستعد النساء في البيوت بعمل الكليجة “المعمول”  وهي نوع من أنواع الحلويات الشهيرة في العديد من الدول العربية .

أما في أم الدنيا مصر، فلأجواء الاحتفال بالحجاج طعم خاص، تتزين جميع الجدران بلافتات لمكة المكرمة والمدينة المنورة  والنقوش الإسلامية، مصحوبة بعبارة “حج مبرور وذنب مغفور”، هذه العادات لا تزال إلى اليوم في بعض المناطق الريفية، اما في المدن المصرية الكبيرة عند وصول الحجاج إلى الحي تبدأ الزغاريد، ويخرج الأقرباء والجيران والأطفال لاستقبال الحجيج، ويلي ذلك استقبالهم ثلاثة ايام  في منزل الحاج، وقد يستمر ذلك لاكثر من ثلاثة ايام وتوزع الهدايا عليهم.  فالاستقبال في المطار هو الترحيب الكبير، حيث يتجمع عدد من أفراد العائلة والأصدقاء لاستقبال الحجاج، لهذا فرضت الجهات الأمنية المصرية في المطار عدداً من القوانين التي تنظم ذلك؛ تفادياً للازدحامات التي كانت تحدث.

تتشابه دول الخليج في عادات استقبال الحجاج مع باقي الدول العربية، وما يميز دولة الإمارات بذلك هو تزيين المنازل بالأعلام الخضراء التي ترمز للطهارة ولون لباس اهل الجنة لقوله تعالى: “أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا” (سورة الكهف)، بالإضافة إلى النثور وهو عبارة عن قطع معدنية وحلويات وأوراق الزهور، وهي تحضر لتنثر على رؤوس الحجاج عند عودتهم على صوت أهازيج الترحيب بالعودة، أما في البحرين، فيستعد الأهالي قبل قدوم الحجاج بتربية خروف يتم ذبحه عند دخول الحاج الى بيته، ثم تبدأ مراسم الزفة وتزيين الحجاج بالورد والأهازيج، كما يتم تحضير وجبات طعام توزَّع على الأقرباء والجيران لمدة أسبوع، وفي  الكويت يقيم الحاج مأدب للأهل والجيران المقربين بعد عودته. كما يقوم بتوزيع الهدايا التي تم شراؤها من الأراضي المقدسة .

وبالانتقال إلى الدول المغاربية، لا تختلف عادات استقبال الحجاج كثيراً فيما بينها، ففي الجزائر مثلاً  تبدأ حفلات الاستقبال من المطار؛ إذ تقوم العائلة بأخذ أفخم السيارات لاصطحاب الحجاج، كما تبدأ أجواء الاحتفال من الطريق وصولاً إلى المنزل، فيما تحضر النساء أنواعاً مختلفة من الطعام لاستقبال الضيوف والأقارب، فيما يقوم الحاج بتوزيع بعض الهدايا وماء زمزم المصحوب بالتمر القادم من الحج، وفي المغرب لا تختلف العادات كثيراً، حيث تقوم معظم الأسر المغربية بتجهيز ليلة من المديح والسماع وتلاوة القرآن للاحتفال بقدوم الحاج، كما تحضر وجبات تقليدية لإكرام الضيوف القادمين، سواء الكسكس أو الأصناف الأخرى من المأكولات التي تختلف حسب المناطق والمستوى المادي للعائلة. خلال هذه الأمسية تقدم النقود والهدايا للأطفال لتعزيز قيم الإسلام وضرورة الذهاب إلى الحج في المستقبل؛ لاعتباره أحد الأركان الأساسية في الإسلام  وتستمر أيام الاحتفال في بعض المناطق لأزيد من أسبوع، فيما تفضل بعض العائلات أن تعزم الجميع في ليلة واحدة من أجل اختصار الوقت، للعودة الى متطلبات الحياة اليومية.

ختاماً،

“ حج مبرور وسعي مشكور“ ، “وبالعودة ان شاء الله“

عبارتان سمعناهما ونحن صغاراً وسنبقى نسمعهما طالما حيينا، يرددها المسلمون عند استقبال حجاج بيت الله الحرام، وهم يعودون سالمين الى بيوتهم في كافة اصقاع المعمورة، وستبقى هاتان العبارتان تترددان  على مسامع البشرية والمسلمون خاصة حتى قيام الساعة.

ومن المستحب أن يقول المهنئون للحاج: تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور. فيرد عليهم بقوله: غفر الله لنا ولكم. عملاً بحديث النبي صلى  الله عليه وسلم: اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.