حديث الجمعة – «ثواب الإطعام لوجه الله»
المهندس بسام برغوت
قال الله سبحانه وتعالى في إطعام المساكين: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا» (سورة الانسان).
تبين الاية الكريمة جانباً من صفات المؤمنين الذين يخشون الله سبحانه وتعالى ويخافون عقابه بأنهم: يطعمون الطعام مع حبّهم له ورغبتهم فيه للمسكين واليتيم الذي لا عائل له ولا مال عنده، يطعمونهم ولسان حالهم يقول: إنما نُطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً.
يظن الكثيرون أن إطعام الطعام عمل اختياري للمسلم له مطلق الحرية أن يفعله أو لا يفعله ، لكن إذا قرأت بتدبر في آيات الله سبحانه و تعالي لعلمت أن إطعام المسكين بوابة لمرضاة الله ومنفذاُ لنيل رحمته .
حث الإسلام على إطعام المسكين، وقد وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية تدعو المؤمنين إلى إطعام المساكين، قال الله سبحانه وتعالى: « فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*ومَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ*أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ*يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ*أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة» (سورة البلد) ، بيّنت الآيةُ الكريمة أربعة أمور تُنجي صاحبها من عذاب الله وهي: عتق رقبة مؤمنة، وإطعام في يوم مجاعة؛ يتيما ذا قرابة، أو مِسكيناً لحاجته، وإيمان صادق بالله سُبحانه وتعالى ورسوله وآيات الله ولقائه، والتواصي بالصّبر مع المؤمنين المُستضعفين بالثبات على الحق، وتواصي بالرحمة مع أهل المال وذلك بأن يرحموا الفقراء والمساكين فيسدّوا فيقضوا حاجتهم.
كما حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تقديم الطعام للفقراء والمساكين والمحتاجين، قال صلى الله عليه وسلّم: «يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ» . إنّ التمسك بمكارم الأخلاق التي منها إطعام الطعام سبب لنيل التوفيق والعون من الله تعالى، ولقد نال النبي صلى الله عليه وسلم هذا العون من الله قبل النبوة؛ لأنّه كان يتحلى بمكارم الأخلاق ويطعم الطعام. وقد قالت له أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بعد نزول جبريل إليه في أول مرة: « كَلّا أبْشِرْ، فَواللَّهِ، لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، واللَّهِ، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ « .
لقد ثبت فضل لإطعام الطعام بأنّه سبب من أسباب القربة من الله تعالى، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن الله تعالى : « يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي». ولقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ إطعام الطعام من خير الأعمال، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: «أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ»، وكذلك فإنّ خير الناس من يقوم بإطعام الطعام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ» .
ثمّة مظاهر كثيرةٌ مستقاةٌ من أحكام الشريعة الإسلاميّة، دالّةٌ على حرص الإسلام على كفاية المسكين، ومن هذه المظاهر:
أنّ المسكين يعدّ مصرفًا أصيلاً من مصارف الزكاة؛ لقول الله تعالى: « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ» ( سورة التوبة ).
اتّفق جمهور الفقهاء على أنّ للمسكين سهماً واجباً فِي خُمس مال الغنيمة، وَاستدلّوا بقول الله تعالى: « وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل» ( سورة الأنفال ) .
عدّ الفقهاء الوقف على المساكين باباً من أبواب الموقوف عليه، وقالوا: إنّ الوقف يقصد به إزالة ملكٍ عن الموقوف؛ بهدف القُربة لله تعالى، والمسكين ممّن تتحصّل القربة بالوقف عليه.
أوجب الشرع إطعام المسكين وكسوته بصورٍ متعدّدةٍ في الفدية والكفّارات التي تلزم المسلم.
ختاماً ،
اهتمّ الإسلام بكافة شرائح المجتمع، وكانت نظرته للضعفاء والمساكين قائمةً على الرّفق بهم وعونهم، وحثّ الإسلام في كثيرٍ من النصوص الشرعية على إعانة المحتاجين والفقراء والمساكين، بل إنّ التّشريع الإسلامي كفل لهم كثيراً من احتياجاتهم عبر وسائل عدّة، جعل منها حصّةً يلتزم بها القادرون والموسرون من المسلمين؛ ففرض الزكاة على الأموال بأصنافها الكثيرة، وحدّد مصارفها ووجوه إنفاقها، كما شرّع صدقاتٍ واجبةً؛ كصدقة الفطر، وأوجب كفّاراتٍ كثيرةً توجب على أصحابها إطعام الفقراء والمساكين، وكلّ ذلك يسير في مركب سدّ عوز المحتاجين في الأمّة، وعون غير القادرين على كفاية أنفسهم ومن يعيلون، وتقع هذه التشريعات المباركة ضمن منهجٍ إسلامي يهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي في الأمّة، ويؤكّد على الشراكة في المسؤولية، وأنّ المسلم أخو المسلم ينصره ولا يخذله، ويعينه ولا يتخلّى عنه.
المهندس بسام برغوت