حديث الجمعة – أهمية الاجتهاد في الإسلام

16

المهندس بسام برغوت
يتطلب تعريف الاجتهاد الوقوف امام المعنى اللغوي لكلمة الاجتهاد فالكلمة مُشتقّة من جهد بفتح الجيم وضمّها يُقصد بها بذل المجهود واستنفاذ الوسع في طلب أمرٍ ما والسعي لتحقيقه أو فهمه أيّاً كانَ هذا الأمر وهذا العمل،وهذا المعنى اللغوي للاجتهاد واسع يتسّع لعُموم الأموروالأعمال، كالطالب الذي يدرس لنيل شهادةٍ ما أو درجةً علميّة فإنّهُ يقوم بالاجتهاد ايبذل ما في الوِسع والطاقة لتحصيل ما يسعى إليه فهوَ بهذا الأمر مُجتهد، أمّا ما يخصّ الاجتهاد شرعاً ما يُبيّنهُ الاصطلاح الشرعيّ وما يتعلّق بعُلوم الفقه.
الاجتهاد في الاصطلاح الذي حدده الأصوليون هوَ استنفاذ الوسع من قِبل الفقيه لتحصيل ظنٍّ في حُكم شرعيّ وهذا المعنى هو من المعاني الجامعة للاجتهاد والذي يعني أنَّ الاجتهاد هوَ من واجبات الفقيه المتخصص وليسَ لغيره وهذا ما سنبيّنه في شروط الاجتهاد والمُجتهد، وأيضاً لا يكون هذا السعي واستنفاذ الوسع إلا في الأمور الشرعيّة، حيث يكون الهدف من الاجتهاد الوصول إلى الحُكم الشرعيّ، كما أنَّ الاجتهاد هوَ في الأمور الظنيّة أي تلك التي ليسَ فيها نُصوص قطعيّة الدلالة صريحة في القُرآن والسُنّة وإجماعُ الأُمّة، إذ لا مكانَ للاجتهاد مع وجود النصّ القطعيّ، وهذا هوَ التفسير الاصطلاحيّ للاجتهاد في تحصيل الأمور الظنيّة.
وردت أدلّة شرعيَّةٌ كثيرةٌ على مشروعيّة الاجتهاد وحثت عليه، ومن ذلك:
من القرآن الكريم:الآيات الداعية إلى التفكّر وإعمال العقل، كقوله تعالى: “ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ “ (سورة الجاثية )،وقوله تعالى: “ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ” (سورة الحشر)، وقوله تعالى: ”وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ” (سورة النساء).
من السنّة ما رُوي عن النبيّ عليه الصلاة والسلام من قوله: “إذا حكم الحاكِمُ فاجتهد فأصاب فله أجرانِ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ”.
الإجماع: حيث أجمع الصحابة وعلماء السلف بعدهم على مشروعيّة الاجتهاد وضرورته.
العقل يقتضي أن يكون الاجتهاد مشروعًا؛ إذ إنّ نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة لم تتناول أحكاماً تفصيلية حول كلّ المسائل، كما أنّ الحوادث تستجدّ مع تغيّر الأزمنة وتطوّرها؛ ما يعني الحاجة إلى الاجتهاد لبيان أحكام هذه المسائل والحوادث المستجدة.
إنّ معرفة الحكم الشرعيّ للمسائل والوقائع بوجهٍ عامٍّ واجبٌ شرعًا، ويختلف حكم الاجتهادمن حالٍ لآخر، وبيان ذلك ان:
يكون الاجتهاد فرض عينٍ على المجتهد إذا كان قادرًا على الاجتهاد في المسألة محلّ النظر.
يكون الاجتهاد فرض كفايةٍ في حقّ المجتهد إذا وجد غيره من المجتهدين وكانوا قادرين على الإجابة.
يكون الاجتهاد مستحبًّا في المسائل المتوقعة التي لم تقع.
للاجتهاد شُروطٌ ضابطة تقوم عليها عملية الاجتهاد وهيَ تتعلّق أيضاً بالفقيه الذي يقوم بعملية الاجتهاد، من هذهِ الشُروط:
أن يكونَ المُجتهد:
مسلماً بالغاً عاقلاً مُميّزاً.
عالماً بالقُرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.
على عِلمٍ باللغة العربيّة وقواعدها وبلاغتها.
إنّ للاجتهاد أهميَّةً بالغةً في التشريع الإسلاميّ:
فالاجتهاد وسيلةٌ لاستنباط الأحكام الشّرعية من النصوص الشّرعية.
مواكبةُ التّغيرات التي تطرأ على حياة الأفراد كل زمان ومكان، تأكيداًلصلاحية.
إنّ اهمال الاجتهاد يؤخر تطور المجتمع المسلم؛ لأنّ الاجتهاد يمكنه من مواكبة مستجدات العصر.
ينقسم المجتهدون إلى أنواعٍ عديدةٍ، اهمها:
المجتهد المطلق؛ وهو العالم بالقرآن الكريم، والسنّة النبوية، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، وهو الذي يجتهد في أحكام النوازل قاصداً موافقة الأدلّة الشرعية حيث كانت.
المجتهدٌ المقيّدٌ بمذهب إمامه وفي فتاوى المذهبوأصوله.
مجتهدٌ مقيدٌ في مذهب من انتسب إليه، فهو متقنٌ له في فتاويه وعالم بها، ومقرٌّ لها بالدليل، ولا يتعدّى أو يخالف أقوال وفتاوى مذهبه، وإذا وجد نصاً لإمامه لم يعدل عنه إلى غيره البتّة، فقد اكتفى بنصوص إمامه عن استنباط الأحكام بنفسه، واستخراجها من النصوص.
مجتهدٌ في مذهب من انتسب إليه، فهذا يحفظ فتاوى إمامه، ويقلده تقليداً محضاً، وليس لديه إلّا التقليد لأقوال إمامه.
ختاماً،
يحتل الاجتهاد في الشريعة الإسلامية مكانة احترام وتقدير، فالاجتهاد يترجم قدرة العقل الإنساني الذي خلقه الله وكرم حامله، فقال تعالى: “ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا “ (سورة الإسراء )، فالاجتهاد يمنح المسلمين امكانات وفرص التجدد في حياتهم العلمية والعملية لأنه يوفر مساحة واسعة من البحث والتعمق الفكري، ثم انه يوفر للأمة الحلول للمستجدات التي لا نص عليها، ويحقق بعض خصائص الإسلام كالعالمية، التي أشار إليها القرآن بقوله: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ“ (سورة الأنبياء). كما أنه يحقق المرونة واستيعاب المتغيرات.
المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.