حديث الاثنين _أمة الجثث المتحركة

10

بقلم وليد الحسيني

لن يغفر الله لنا إذا نسينا أن في ميلاد السيد المسيح، كان الميلاد الأول للإنسانية.

لكننا نسينا، وبالغنا في النسيان.

إن الأعداد المتنامية لجياع العرب، تجعلنا نرتعش خوفاً من نهاية مأساوية لإنسانية تغمض عيونها عن صور مزلزلة لأطفال، تحولت أرجلهم إلى ما يشبه الحبال. وأيديهم إلى خيوط مهترئة. وعيونهم إلى مغارات غائرة.

ليس سهلاً أن ينخر الذباب العظم الحي، المغلف بالجلد المتقرح.

ليس سهلاً أن يطبق الصمت على الأفواه الرضيعة، التي أصبحت أضعف من أن تبكي.

ليس سهلاً أن يفرّغ رجل، ما بقي لديه من طاقة، بحفر قبر لنفسه، بانتظار نفسه الأخير.

وسط ذهول مخيف، مما تحمله وكالات الأنباء من أخبار وصور، لأشباح من أهلنا في لبنان واليمن والعراق وسوريا وليبيا والسودان، يصح السؤال عما إذا كانت الإنسانية بعدها على قيد الحياة. وأن ثمة مؤمنين يؤمنون بها داخل الأديان. وأن الدول الغربية ما زالت تقيم وزناً لـ “قيمها الفاضلة”… أو ما بقي من فضلاتها.

لقد انهمرت دموع الملايين من شعوبنا المنكوبة، بغزارة لم تعرفها أكثر مواسم الشتاء مطراً. وكبرت المآسي إلى أن أصبح الموت، هو الدواء المجاني الوحيد المتاح، الذي ينقذ من الأمراض والجوع والذل والإذلال.

ألا يدرك القادرون من أثرياء العرب، أن بمقدور هؤلاء الجياع، منح كل هؤلاء الأثرياء، “وسام المقابر” من الدرجة الأولى، لو قاموا بحفر المدافن، لمواطنين انحصرت أكبر طموحاتهم بالحصول على قبر في مقبرة.

لا نعتب على الجثث العربية المتحركة، إذا انطفأت أحلام أصحابها بالنجاة من حروبنا الأهلية، المؤهلة للإستمرار والتمدد من دولة إلى دولة. العتب على أولئك، الذين لم يقصروا في إشادة القصور، والذين لهم في مراحيضهم الذهبية قدوة حسنة لتكريم مؤخراتهم السامية.

ترى لماذا لا يتم تأكيد “الأخوة العربية” بأن يقوم رجال المال والأعمال العرب، بدفن الموتى من  الجوع والأمراض، والذين لا يملكون ثمن القبر، تحت أساسات قصورهم واستراحاتم، عسى ترتفع حسناتهم فوق الصفر؟..

ألا يعلم هؤلاء أن الله بذلك، يكون قد أتم عليهم نعمته ورضي لهم بالإسلام دينا؟.

أليس بذلك إخفاء لمعالم جرائم الفقر والإبادة، في أمة لا تتوانى دولها عن شراء الأسلحة بمليارات الدولارات سنوياً، على طريقة هواة جمع الطوابع البريدية القديمة.

من وجع لبنان واليمن وسوريا والعراق وليبيا والسودان، يمكن القول أن الحالة العربية دامية، رغم أن لا دماء في ما بقي من أجساد عظمية جافة.

إنه الموت باليباس الإنساني… فهل يحيي الله الإنسانية… وهي اليوم رميم؟.

وليد الحسيني

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.