حديث الاثنين – بقلم وليد الحسيني – فخامة «عالم الآثار»

69

نحمد الله، الذي لا يحمد على «مكروه» سواه.

لقد أنقذنا أخيراً من جهلنا المزمن … فبعث إلينا بباحثين ومحللين استراتيجيين، أخرجونا من أميّتنا السياسية، وأعلمونا بما لم نكن نعلم.

حلّلوا، كأرقى مختبرات تحليل البول، ماضينا وحاضرنا … وما ينتظرنا غداً.

وبمهارات استعراضية، استعرضوا علينا قدراتهم «السمعية» الخارقة لغرف الاجتماعات السرية … المحلي منها والإقليمي والدولي، ومهما بعدت مسافات عواصمها … ومهما تحصّنت جدران غرفها ضد التنصت.

ولأننا لم نبرأ تماماً من جهلنا، فقد بقيت فينا بقية من جهل، تتجنى على علماء الغيب وما غاب عن التاريخ، فتربط بين مصادر «المعلومات» ومصادر «الأرزاق».

وبعيداً عن إثم الظن بموضوعية محاوري محور الممانعة، وبعيداً عن التساؤل المريب عما إذا كان «الأجير» يعطى أجره قبل أن يجف لسانه عن خلق ما لم يحدث، واختلاق الروايات عما قد حدث، لا مفرّ من الاعتراف بفضل محتكري المعرفة على أجيالنا، التي كانت في جهالتها تنعم … فلولاهم ما عرفنا حقيقة رؤساء جمهوريتنا.

ما كانوا قيادات وطنية وسيادية كما كنا نعتقد.

كاشفوا أسرار ما مضى يكشفون الوجه القبيح لديمقراطيتنا، التي اعتقدناها أول ديمقراطية حقيقية في الشرق … فإذا بلبنان، ومنذ الاستقلال، لم يأت ولن يأتي إلى رئاسته الأولى، سوى العملاء.

وبأدلة لا دليل عليها، حصل اليوم ما يشبه الإجماع على أن قصر الرئاسة وكر للعملاء، فمن لم يكن عميلاً للفرنسي كان عميلاً للانكليزي، ومن لم يكن عميلاً لهذا أو ذاك فقد انتظر وظفر بعمالته للأميركي.

حتى مؤسس دولة المؤسسات الرئيس المثالي فؤاد شهاب لم ينج من تهمة العمالة.

يقول مالكو «صكوك البراءة والإتهام» أن مؤسس الشهابية لم تأت به الديمقراطية اللبنانية، بل جاءت به عمالته لجمال عبد الناصر.

لكن مخزونهم المعرفي لم يسعفهم في إخبار «محكمة الرؤساء» عما إذا كان المتمسك بـ»الكتاب» عضواً في حزب «النجادة» أو نصيراً لرئيسه عدنان الحكيم، الناصري الأول في لبنان حينذاك.

وعلى قاعدة «كلمات السر» الخارجية، تخرج إيران عن قاعدة الإملاءات الرئاسية، وتترك للبنانيين حرية اختيار الرئيس.

لم تفرض علينا عميلاً لها، فميشال عون جاء رئيساً من تفاهم كنيسة مار مخايل، وهو تفاهم لبناني – لبناني لا علاقة لإيران به، وإن كان عون هو ذلك اللبيب الذي من إشارة خامنئي يفهم … وفهمكم كفاية.

والآن، أما آن أوان انتخاب الرئيس العميل التالي؟

لكن عميل لمن؟

الجواب عند اللجنة الخماسية، التي يذكّرنا الناطق باسمها بـ»اسطوانات بيضافون»:

الأجواء إيجابية … المباحثات جيدة … الآراء متوافقة … الجلسات مستمرة.

وعلى طريقة «اسطوانات بيضافون» أيضاً يقلد رئيس لجنة الإعتدال النائب سجيع عطية السفير المصري بتصريحاته وإصراره على المضي بمبادرات مضى زمانها.

وطالما أن الفراغ قد طال.

وطالما أننا غرقنا بمواصفات الرئيس، وكأننا نبحث عن وصفات لأمراض مستعصية.

وطالما أن الدستور هو الإمام المغيّب.

وطالما أنه الحل الذي لا حل بدونه.

لكل هذه الـ»طالمات» نقترح جادين انتخاب «عالم آثار» لرئاسة الجمهورية.

عساه ينقب في قصر بعبدا فيجد الدستور الذي دفنه ميشال عون في أحد مخابىء القصر.

عساه ينفض عنه الغبار الذي أهاله عليه جبران باسيل.

عساه «فخامة عالم الآثار» يعيد لبنان إلى ديمقراطيته المفقودة.

جربوه فقد بستطيع أن يرمم الدستور قبل أن تنهار أعمدته وينهار معها لبنان.

وليد الحسيني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.