حديث الاثنين – بقلم وليد الحسيني – بين الملآن والفارغ بطولات وكوارث
بحكمة الواقع نتصارح. ومن موقع من أمضى المراهقة والشباب والكهولة ثائراً أضاع في الأوهام عمره… أقول:
النصف الملآن من الكأس، لا يلغي وجود النصف الفارغ.
الموضوعية تستدعي النظر إلى النصفين. وهذا يفرض الإقلاع عن الدعوة العمياء، الداعية دوماً إلى عدم رؤية النصف الفارغ… وكأنه بلا دور، وكأنه لا كان ولن يكون.
وبما أن «حزب الله» اليوم، شاغل العالم عموماً والمنطقة خصوصاً، نحاول بمحبة النظر إلى نصفيه الملآن والفارغ… أي بما حمل ويحمل من سلبيات وإخفاقات… ومن إيجابيات ونجاحات.
ولأن ما مضى قد مضى، واليوم حاضر بأخطار، قلّما مرت بها دول من قبل… سنكتفي بالحاضر، ففيه الأمل والمأساة معاً.
تعالوا نتمعن في الممتلئ من كأس لبنان.
بطولات لا تبطلها إدعاءات الناكرين لها.
ها هي مقاومة حزب الله تقف جداراً مسلحاً، لا جداراً صوتياً أصبح يواجهه أطفالنا بالتهليل والتصفيق.
ها هي بشجاعة المندفع إلى الشهادة، تدافع جنوباً، وتدفع إلى حيثما اختارت من مدن العدو ومستوطناته بصواريخ «الإيلام».
و»إيلام» العدو، هو ما اكتفى به الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، وجعله هدفاً لمرحلة ما بعد مرحلة «الإسناد والمشاغلة».
و»الإيلام» أقل درجات العنف. وهو بما يحمل من «تعامل إنساني»، لا يبلغ درجة الإيذاء، فكيف والهدف المفترض للمقاومة اليوم ينحصر بمواجهة التدمير بالتدمير والتهجير بالتهجير.
وبانتقالنا إلى الفارغ من كأس لبنان، سنجد أن شهوات نتنياهو الإجرامية لا تشبع من القتل العشوائي، وتطلعاته التدميرية وِسع لبنان وبسعة أطنان المتفجرات.
يدمر. يقتل. يهجّر، وكأننا دمى متحركة، يحركها أردخاي أذرعي، الذي أصبح الإسم الأشهر لبنانياً، والذي طاعته واجبة… خصوصاً إذا أنهى أوامره بـ «فوراً»، فهذه الفوراً… فوراً نافذة ومستجابة.
وإذا ولجنا أكثر في النصف الفارغ لصدمتنا كوارث شتى.
نعترف أن مقاتلي حزب الله جنوباً يحاربون دفاعاً عن الكرامة.
وعلينا أن نعترف، من دون أن نغطي الحقيقة بالغربال، بأن شيئاً من المهانة المكتومة، يتم إخفاؤها من باب عزة النفس.
وبتعمقنا في فراغ «كأس الإيواء»، نجد الحكومة تكذب عيون أهل بيروت عندما تدعي أن العراء والأرصفة بلا نازحين.
وتخدعنا هيئة الطوارئ بإعلانها بطانية لكل نازح وعلبة حليب لكل طفل وكرتونة منوعات غذائية عملاقة لكل عائلة.
ونسأل من أين لها هذا… وجسور الإمدادات الجوية ستنقطع بعد حين… وحين تكمل كل دولة إرسال ما وعدت به.
ترى من يطعم مليون ونصف مليون من ضيوف النزوح؟.
بلغة الأرقام، كل الطائرات التي هبطت بمساعداتها لا تكفي أكثر من عشرة أيام.
لو أن النازح يحتاج حد أدنى إلى ربع كيلو أطعمة يومياً لاحتاج مجموع النازحين إلى 400 طن، أي إلى حمولة عشر طائرات في اليوم الواحد… فهل تتفرغ الخطوط السعودية والإماراتية لإطعامنا؟.
الإنسانية لن تحافظ على سخونتها طويلاً. والدول المحسنة سيتوقف إحسانها بعد أن قامت بالواجب وقضي الأمر.
عند الوصول إلى جفاف المعونات، وهو موعد الوصول إلى الجوع الجماعي في دولة لا تملك ثمن الرغيف… ومضيف لم يعد قادراً على اقتسامه.
يبقى ما يدور عن احتكاك هنا واستفزاز هناك وسلاح يستدعي سلاحاً، وبالتالي، حضور للحرب الأهلية. والحديث عن الحرب الأهلية عبارة عن نكتة تلقى في مجلس تعزية، يكتم المعزون ضحكاتهم احتراماً للمناسبة… فاخرجوا واضحكوا.
وليد الحسيني