حديث الاثنين – بقلم وليد الحسيني – بانتظار المعزين
إقتحم المواطن القلق غرفة الأطباء، فوجدهم يتبادلون تهم الإهمال، ويختلفون على توصيف المرض ووصف الدواء، وعما إذا كان المريض يحتاج إلى عملية جراحية أو أكثر.
واجههم المواطن بهلع سائلاً:
هل مات الوطن فعلاً؟.
ينهض طبيب محاولاً تهدئة هذا المواطن المنهار:
لا… لم يمت بعد. لكن حالته سيئة جداً.
ومع ذلك اطمئن… فهذه ليست المرة الأولى، التي يعاني فيها مريضك سكرة الموت. سبق وأنقذناه من حالات خطرة كثيرة. كل ما نطلبه منك بعض الصبر.
هدأ المواطن قليلاً وسأل: هل اكتشفتم مرضه؟.
يجيب طبيب آخر بتهكم: مرضه؟!… قل أمراضه… فهي لا تعد ولا تحصى.
ازداد المواطن خوفاً وقلقاً وسأل الأطباء مجدداً:
أخبروني ممّ يعاني؟.
رد أحدهم:
مريضك يا عزيزي يشكو من فقدان المناعة. وهذا سبب كافٍ لتراكم الأمراض. فهو لا يستطيع مقاومتها. إنها تستفحل في جسمه المتآكل.
لم يمل المواطن من طرح الاستفسارات فسأل مرة أخرى:
وما سبب ذلك؟.
أجاب أحدهم: لقد أصيب بفقر دستوري شديد. فالدستور لم يعد يصل إلى مجالسكم التشريعية والتنفيذية والقضائية مما عرّضه لنوبات قلبية حادة. وهو يعاني أيضاً من نقص هائل في العدالة، بعد أن علّقت القوانين وكأنها فخذ بقرة، علّق في سوق اللحامين. وهو يشكو كذلك من اشتراكات مرعبة بين رجال الدين وفتيات الإعلان حيث تجمعهم إثارة «الفتنة».
ومن أمراضه المزمنة «الشيخوخة المبكرة» بعد أن أصبح شبابه كالبدو الرحل يتنقلون من سفارة إلى أخرى بحثاً عن الكلأ والأمان. كما أن زهايمر الغلاء، جعله يصاب بعرف قبض الراتب الحقيقي مباشرة من الجمهور. والمرض الأسوأ والأخطر، أن وطنك يا مواطن يعاني من تقاسم الله بين الطوائف والمذاهب، وبالتالي تحميل الرسائل السماوية كراهية الآخر وتكفيره. ومن أمراضه أيضاً وأيضاً أنه لم يعد يعرف ما إذا كانت عاصمته بيروت أم الرياض أم طهران؟.
شعر المواطن بالإحباط وخرج.
انطلق بسيارته. صعد إلى الأرز. ألقى على أشجاره الخالدة نظرة أخيرة ومسح دمعته… وغادر متجهاً إلى الجنوب، عانق الشهادة وودع البيوت الصامدة والمدمرة… عاد إلى بيروت، توقف عند صخرة الروشة واعتذر عن الانتحار… وعندما حان وداع بعلبك، كان صوت فيروز قد هجر قلعتها… وفي مكان من أمكنة لبنان وجد سرادقاً كبيراً… دخله… وجلس ينتظر المعزين.
وليد الحسيني