حديث الاثنين – بقلم وليد الحسيني – الذم والندم
لا يمكن لعربي أن يندم على تأييد ثورة الخميني، التي أطاحت بشاه إيران حليف إسرائيل بأوامر أميركية.
والعربي نفسه، لا يمكنه إلا أن يندم على تأييده ثورة الخميني، بعد أن أطاحت باستقرار المنطقة. وأشعلت نزاعاً شيعياً سنياً، كانت نيرانه قد أنطفأت بمرور الزمن.
ويستمر هذا العربي في تعامله مع إيران بإزدواجية الندم واللاندم.
فهو إذ لا يندم على رفعه علم فلسطين على سفارة إسرائيل في طهران. إلا أنه سرعان ما يندم على أن ذلك كان رفع “علامة تجارية” تجذب الزبائن.
فهو إذ لا يندم أيضاً على اعتزازه بتأسيس طهران لجيش إسلامي قاهر، إلا بعد أن يكتشف أن جيشها القاهر لم يقهر غير السوريين، بدفعهم، قبل تحرير سوريا من نظام الأسد، إلى هجرات قسرية خارج سوريا، أو إلى النزوح داخلها، من أرض مرعبة إلى أرض أقل رعباً.
وهو لا يندم على الإشادة بدعم إيران لغزة المحاصرة. إلا أنه يندم لاحقاً، حين يجد أن الدعم نتج عنه أكثر من مئتي ألف شهيد وجريح.
وهو لا يندم على مباركته إقامة إيران علاقات “أخوية” مع العراق، لولا أن الندم سيطر على العراقيين، بعد أن جرّعتهم الميليشيات الفارسية، كأس السم التي جرّعها صدام حسين للإمام الخميني في حرب عودة أمجاد القادسية. وبنجاح ميليشيات الحشد الشعبي في إلحاق مجموعات كبيرة من الشيعة بـ “قم”، نجحت إيران بالسيطرة على مقدرات العراق وقدره.
والعربي طبعاً، وبالتأكيد، لن يندم على إمتنانه لدور إيران في دعم حزب الله في حرب تموز، غير أن اللبنانيين عانوا، في حرب إسناد غزة الذي طلبه الخامنئي من السيد نصرالله، فكان التدمير وكانت الشهادة وكان النزوح، وكاد يكون في ذلك الدعم نهاية لبنان.
وهذا العربي، الذي يحمل أثقالاً تاريخية من عداء أميركا وإسرائيل له، لن يتردد في ترديد شعارات طهران المطالبة بالموت لأميركا… والموت لإسرائيل. وعملاً بتلازم الندم في مواجهة السياسات الإيرانية، فلا مفر لهذا العربي من الندم بتحول صرخة الموت التي لم تقتل أميركياً ولا إسرائيلياً، بل تحولت إلى فعل “الموت للعرب” بأسلحة وميليشيات إيرانية، تعبث في أكثر البلاد العربية، سواء في بلد بسطت عليه يدها… أو في بلد مدت إليه أصابعها.
وكأن إيران لا تكفيها صناعة الزلازل في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. فها هي اليوم تعرض المنطقة، بدولها وشعوبها، إلى زلزال، يعجز مقياس ريختر، عن قياسه.
لا شك أن إيران تكذب حين تكذّب أي علاقة لها بما حصل ويحصل بالساحل السوري، إذ سبق أن أعلنت أنها تسعى إلى علاقات جيدة مع الحكم السوري الجديد، إلا أنها نزعت قناع السعي هذا بأن وصفت ما جرى في طرطوس واللاذقية وجبلة وبانياس من مجازر واقتحامات بـ “المقاومة الشعبية”.
ولا شك كذلك أن أميركا يحكمها اليوم رئيس لا يطيق الدبلوماسية. ومصاب بهلوسة العظمة والجبروت والإبتزاز.
ولا شك أن إيران يحكمها من يتشبه بترامب. أي أن الشرق الأوسط يعيش اليوم صراع الهلوسات العظمى.
لكن ثمة فوارق بين هلوسة تمتلك الإمكانات… وهلوسة تمتلك أوهام الصواريخ المدمرة وغرور الحرس الثوري.
إنها حرب إذا وقعت، لن تجد إيران حليفاً لها. فهي حرب ستشعل أسواق النفط، الذي تحتاجه الصين. وتحتاج معه إلى تهدئة، ولو أدت إلى إجتياح أميركا لإيران.
وهي حرب ستفرض على بوتين الحياد. فالتدخل فيها لا يشبه التدخل في سوريا أو في جزيرة القرم. إنه دخول إلى حرب عالمية لن ترتكب روسيا بالتأكيد حماقة اشتعالها.
هي حرب، لن تتجاوز الإستعراض العسكري، ومع ذلك، فإن إيران ستدفع ثمنها كما لو أنها حرب فعلية. فكل الحقائق الميدانية تشير إلى أن ترامب سيحقق نصراً بلا حرب.
إذاً على إيران ان تنقذ نفسها بالعودة إلى حجمها الطبيعي… فالبالونات التي نبالغ بنفخها ستنفجر في النهاية بوجه نافخها.
وليد الحسيني
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.