حديث الاثنين – بقلم وليد الحسيني – الدستور الغائب والديمقراطية المهاجرة

0

قالها الراحل سليم الحص: في لبنان حرية أكثر وديمقراطية أقل.

وهكذا لم تعد أرض لبنان صالحة لزراعة الديمقراطية. فالأرض التي كانت تحرث بمحراث الدستور، حتى أصبحت تحرث بمحراث العرف والتهديد والمذهبية والفساد… وأسباب أخرى.

أكثرها إذلالاً للدستور والديمقراطية معاً العرف الذي اجتاح الدستور وكأنه لم يكن يوماً هدفاً للعدالة والنظام.

فالعرف هو السيد والقائد، لكن السيء هنا هو أنه وقع في قبضة المذهبية والفساد.

وبالمناسبة لبنان الآن أمام عرف جديد وخطير. فها نحن نعيش منذ عام 1998 عصراً خصصناه لحكم العسكر.

منذ أن تولى قائد الجيش الأسبق إميل لحود رئاسة الجمهورية، وإلى أن تنتهي ولاية العماد جوزيف عون، نكون قد أمضينا 33 سنة يحكمنا خلالها قادة جيوشنا بالتوالي وبلا انقطاع.

ألا تشكل الـ 33 سنة هذه عرفاً جديداً، بحيث ينتقل خلاله قادة جيوشنا من “اليرزة” إلى قصر بعبدا دون الحاجة إلى مجلس النواب وخلافاته وانقساماته، وبذلك نقضي على الفراغ الذي عاناه لبنان بين كل استحقاقين رئاسيين.

خطر آخر تشكله “دودة المذهبية”، التي تنهش ثمار الديمقراطية قبل أن تنضج.

خطرٌ ثالث، “الأمية”، التي تظهر فجأة على أصحاب النفوذ، فقط عند تهجئة نصوص الدستور. مع أنهم من بلد يزعم أنه الوطن الأول للأبجدية.

خطرٌ رابع، “الوطنية”، التي كثيراً ما تتنقل بين الداخل والخارج.

خطرٌ خامس، “الواسطة”، التي تعتمد نظرية “الأتباع” أولى بالوظائف والـ “أقربون” أولى بالمشاريع.

خطرٌ سادس، “الفساد”، الذي يحلل الحرام… ويحرم القانون.

إذاً، من حق الديمقراطية أن تتعب، وتهاجر من لبنان. تماماً كما يهاجر اللبنانيون منه. فلا خبز لها ولهم في هذا البلد، الذي لم يبق فيه من الحريات سوى حرية المنع بقوة “الممانعة” حيناً ورفع فيتو “الميثاقية” في حين آخر. وكذلك حرية إلقاء التهم جذافاً. تضاف إلى ذلك حرية تقاسم الصفقات… وشفط المال العام.

من حق الديمقراطية أيضاً أن تهرب بجلدها. فلبنان لم يعد مسقط رأسها العربي، كما كانت تعتقد شعوب الدول العربية أيام زمان.

لم تعد النصوص تحميها من لصوص الدستور والقوانين. فهي أسيرة بدعة “المكونات”. فأي مكون مذهبي يستطيع منفرداً إعتقالها في زنزانة منفردة.

وهي إذا نجت من مصيدة “المكونات” علقت بـ “الديمقراطية التوافقية”، في بلد لا يعرف التوافق ولا يحترم الإتفاقات.

لا شك أن الديمقراطية في لبنان تعيش محنة، لا تعيشها حتى في أعتى الدول ديكتاتورية.

لا يوجد لبناني لا يدعي حبها، إلى درجة العشق الإلهي. ومع ذلك لا أحد يقبل استقبالها في بيته أو حزبه أو مذهبه.

بعد هذا، من العبث البحث والتحري عن الديمقراطية في لبنان. حيث لا ندري إذا ما تم تهجيرها قسراً، أم أنها هاجرت بإرادتها، إلى بلاد لا تعرف قوانين انتخابية، تنتسب زوراً إلى “النسبية”. ولا تعرف هرطقة حكومات الوحدة الوطنية، التي يختلط فيها الماء والنار. فيتم توزير من دب موالياً، ومن هب بسلاحه معارضاً ومعترضاً. ومن نهب فوُهِب، ومن شب على الوصولية… فوصل.

الأكيد أن الديمقراطية خرجت من لبنان.

لقد راحت وأراحت.

الآن لا حاكم ولا حكومة… فالجميع محكوم بالخضوع للقوة والقوي… ففي ظل نظام الفوضى فإن الأقوياء هم من يحكمون.

ترى هل تعود الديمقراطية من غربتها؟.

نأمل أن يشملها “قانون باسيل” في إعادة منح الجنسية للمغتربين… فهي أيضاً من أصول لبنانية.

وليد الحسيني

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.