حبيقة “للشرق” إصدار موازنة العام 2025 بمرسوم : هو هروب الى الأمام ولاستكمال التعيينات الإدارية والمالية قبل الإتفاق مع صندوق النقد
كتبت ريتا شمعون
يستعجل رئيس بعثة صندوق النقد الدولي أرنستو راميريز الذي زار لبنان المسؤولين اللبنانيين ويدعو خلال لقائه رئيس الجمهورية جوزف عون الى ضرورة وضع خطة إصلاحية مالية موحدة تساعد لبنان على الخروج من أزماته، مقرونا بسلّة واجبات لا يزال لبنان يتلكأ في القيام بها سواءً لناحية الشروع في تنفيذ الإصلاحات العاجلة، أو لجهة الإستجابة لاحتياجات الشعب الأساسية غلى غرار الصحة والتعليم والكهرباء وإعادة الإعمار.
ويتوقع أن تفتح هذه الإصلاحات الباب أمام إتفاق نهائي يتيح للبنان الحصول على قروض من الصندوق قد تتخطى 10 مليارات دولار اميركي ما يساعد في إنعاش إقتصاده المتعثر.
وفيما يستعجل صندوق النقد الإصلاحات، هل يبدأ الإصلاح باقرار مجلس الوزراء موازنة العام 2025 بمرسوم، رغم إدراك الجميع أن مضمونها لم يعد يجاري الواقع بعد الحرب المدمرة الذي تعرّض لها لبنان؟
في كل الأحوال، المرسوم أشعل سجالاً دستوريا وقانونيا لا يرغبه حتما الرئيسان جوزف عون ونواف سلام، خصوصا أنه طليعة قرارات حكومتهما الأولى.ومن ثم يقرّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة مشروع قانون لإعادة النظر بالرسوم في موازنة العام 2025.
في الشكل استند قرار مجلس الوزراء الى المادة 86 من الدستور (المعدلة عام 1990) التي تسمح لمجلس الوزراء باستخدام هذا الإجراء في حال تأخر مجلس النواب عن البتّ في مشروع الموازنة ، إنما بشرط إرسالها قبل 15 يوما من بداية العقد التشريعي.
إن موازنة العام 2025 الذي أقرّها مجلس الوزراء لا تعكس الواقع الحالي بشكل دقيق،باعتراف رئيس الحكومة نواف سلام، أما وزير المالية ياسين جابرأشار الى أن إقرار الموازنة بهذا الشكل هو أفضل الحلول المتاحة، ووعد بتعديلات على الرسوم ونفّذ وعده، وأعدت وزارته مشروع قانون لتعديل 5 مواد في الموازنة، وطلبت تخفيض الرسوم المتعلقة بقطاع الخدمات السياحية فقط، على سبيل المثال، تخفيض الرسوم المتعلقة باستهلاك المشروبات الكحولية ومشروبات الطاقة.
الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة لم يتوقف عند الشكل القانوني والدستوري للموازنة، فإن ما قامت به الحكومة عبر إصدارها هذا المرسوم ليس مخالفا للدستور لكنه بنفس الوقت ليس منطقيا، موضحا في حديث لجريدة ” الشرق” أن الموازنة لا تأخذ بالإعتبار ما جرى على الساحة الداخلية جراء العدوان الإسرائيلي من شهداء وخراب ودمار في المنازل والبنى التحتية.
واعتبر حبيقة، أن إقرار موازنة العام 2025 بمرسوم، ألا وهو ” الهروب الى الأمام” مشيرا الى ان أرقام الموازنة بعيدة عن الحقيقة وعن خسائر لبنان جراء العدوان الإسرائيلي وقيمتها المباشرة وغير المباشرة التي وصلت الى نحو 6,2 مليارات دولار وفقا لآخر تقديرات البنك الدولي ، بمعنى آخر، فاقت قيمة الأضرار حجم الموازنة المقدر ب4,8 مليارات دولار، مؤكدا أن الموازنة بشكلها الحالي، ومضمونها الحالي أيضا، لا تصلح، سائلاً، على سبيل المثال، لجهة الإيرادات داخل الموازنة، هناك عائلات خسرت منازلها جراء العدوان، فكيف ستحصل الدولة منها؟
واعتبر حبيقة، أن التعديلات التي أنجزتها وزارة المال المتعلقة بقطاع الخدمات السياحية فقط، “غير كافية” فالتعديل لم بلحظ أي شيء له علاقة لا برواتب موظفي الدولة ، ولا بالإستثمار في مشروع إعادة الإعمار.
في هذا السياق، يؤكد أن تكليف وزير المال باعداد مشروع قانون لإعادة النظر بالرسوم الواردة في موازنة العام 2025 لتدارك الآثار الإجتماعية والإقتصادية السلبية التي يمكن ان تترتب على المواطنين ، ما هو إلا محاولة لتصحيح القرار الذي يراه الناس خاطئاً ، مضيفا: من الأجدى أن نتجنب الإستعجال في اتخاذ القرارات وأن نقوم بتقييم الخيارات بشكل منطقي وهادىء.
ويرى، ان المشكلة الأساسية في الموازنة تكمن في العجز، لأن النفقات قد تكون أكبر من الإيرادات، وقد تستدعي تعزيز إحتياطي الموازنة لتلبيتها ، بالتالي لم يعد جائزاً إبقاء مشروع الموازنة نسخة طبق الأصل عمّا قدمته قبل اندلاع الحرب، بل يجب ان يكون أكثر واقعية إن في بند الجباية أو في بند الإنفاق، متوقعا أن يكون هناك عجز حقيقي يمنع الموازنة من تحقيق أهدافها.
فهذه الموازنة تفتقر للأموال اللازمة لترميم البنى التحتية التي تدمرت جراء الحرب ولنا في الطرقات أبسط مثال على ذلك، كما يجب ان تحدد الموازنة نسبة الإنفاق والواردات، وتحديد نفقات كل وزارة في هذه المرحلة، مثل وزارة التربية والتعليم” ترميم وإعادة بناء المدارس المدمرة” كا يجب ان يؤخذ بالاعتبار رواتب القطاع العام، ليكون الإقتصاد آمنا، وأن لا يتجاوز الإنفاق على رواتب القطاع العام 30% من موازنة الدولة.
وتعليقا على انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يقول حبيقة، لا شك انه من الضروري التوصل الى برنامج مع صندوق النقد الدولي ولكن قبل ذلك، يشدد، على ضرورة تعيين حاكم لمصرف لبنان، وان يكون لوزارة المال مديراً عاما، من اجل مواكبة الإصلاحات المالية التي شدّد عليها وفد صندوق النقد خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، لافتا الى أنه يجب استكمال التعيينات الإدارية على قاعدة اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب “ضمن معايير الخبرة والكفاءة”.
وتابع ، ليس لدينا أهمية إدارة الوقت، يعلم الجميع ان الوقت هو الثواني والدقائق التي تمرّ بشكل مستمر، ولكن للأسف القليل هم من يفهمون ماهية الوقت في لبنان الذي فقد فرصا كثيرة كان يمكن الإستفادة منها، فإضاعة الفرص ” تبقيك مكانك” وربما تدفع الثمن باهظاً ، قائلاً: لبنان امام فرصة تاريخية لعودته دولة طبيعية، ولإحداث تغيير في إدارة المرحلة المقبلة، والقيام بالإصلاحات الضرورية في التعليم والقضاء والسياسات المالية للخروج من ازمته.
ويختم حبيقة، في لبنان الدولة هي مصدر الهموم وليس الشعب، متمنيا على الحكومة تغيير هذا الواقع، وان يكون لديها مقاربة جديدة لقضية الودائع، وحلول في الأفق للأزمات الإقتصادية والمالية والإجتماعية، وأن تجد حلّ لمسألة الكهرباء، لتتجدّد آمال اللبنانيين، وتنتج موازنة في العام 2026 شفافة وحقيقية تجاه المواطنين وتحاكي الواقع كما هو الحال في لبنان.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.