جون بولتون: غزّة تحكمها مصر والضفّة مناصفة

8

بقلم إيمان شمص

«أساس ميديا»

أثارت تصريحات دونالد ترامب بشأن استخدام القوّة العسكرية الأميركية في قطاع غزة بعد اجتماعه في الرابع من شباط مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جدلاً وارتباكاً هائلين. غير أنّ هذه التصريحات لم تكن، في رأي جون بولتون، أفكاراً عابرة وحسب، بل هي جادّة وكانت معدّة ومكتوبة مسبقاً.

أكّد جون بولتون، مستشار الأمن القومي خلال ولاية ترامب الأولى، أنّه لا يؤيّد أبداً نشر الجيش الأميركي في غزة، مشيراً إلى أنّ ترامب جادّ بشأن السيطرة الأميركية على غزة، وإن كان ذلك من دون استخدام القوّة.

كتب بولتون في صحيفة “تلغراف” البريطانية: لقد حجب الغضب الذي أعقب تصريحات ترامب حقيقة مفادها أنّه تناول قضيّتين مختلفتين تماماً:

– أوّلاً، وهو الأمر الأكثر غرابة، أكّد ترامب أنّ إسرائيل ستسلّم السيطرة على غزة للولايات المتحدة، التي سوف “تمتلكها”، وتجعلها “ريفييرا الشرق الأوسط”.

– ثانياً، والأكثر أهمّية، كان ادّعاء ترامب أنّ إعادة توطين سكّان غزة في القطاع ليس الحلّ الصحيح للمضيّ قدماً، على الأقلّ على المدى القريب. وهذا التمييز أمر بالغ الأهمّية لتقويم تصريحات ترامب، إلى أن يغيّر مواقفه مرّة أخرى، ربّما أثناء قراءة هذا المقال.

يرى بولتون أنّ فكرة ترامب الأولى لن تتحقّق، فهي لا تستند إلى أيّ فلسفة أساسيّة أو استراتيجيّة كبرى للأمن القومي، أو سياسة متّسقة تستشرف المستقبل، بل تنبع من عرضه في ولايته الأولى على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بأن تصبح الشواطئ البكر في بلاده مناطق منتجعات رئيسية. لم يتحقّق ذلك، لكنّ الحلم لم يمُت أبداً. غير أنّ الأمر بالنسبة لغزة مختلف.. فبسبب وقف إطلاق النار الجاري وتبادل الأسرى، تعيد حماس تأكيد سيطرتها على غزة، وهو ما يشير إلى أنّها قد لا تكون منهكة بفعل العمل العسكري الإسرائيلي كما كان يُعتقد في البداية. وهذا يعني بدوره أنّ إسرائيل من المرجّح أن تستأنف الأعمال العدائية عندما تنتهي عمليات التبادل، وهو أمر صحيح. وإلى أن تصبح غزّة آمنة تماماً، سيكون من الصعب الحصول على رأس المال والعمالة اللازمين لبناء ريفييرا الشرق الأوسط.

حلّ الدّول الثلاث

وفقاً لـ”بولتون”، غزّة بحدّ ذاتها حادث تاريخي يعكس الواقع العسكري في نهاية الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في عام 1948. وهي ببساطة جزء من الطريق القديم عبر البحر الأبيض المتوسط المؤدّي إلى مصر. إن تمّ عزلها تصبح غير قابلة للاستدامة اقتصادياً.

يعتبر أنّ “الاقتراح الثاني الذي طرحه ترامب بشأن مستقبل غزّة ليس جديداً، فقد نشأ من مصادر متعدّدة قبل وقت طويل من تعليقاته في الرابع من شباط. وإذا تمّ تبنّيه، فسيغيّر الشرق الأوسط بشكل جذري ودائم. فمثل هذا السيناريو يدقّ ناقوس الموت النهائي لحلّ “الدولتين”. قبل الهجوم الوحشي الذي شنّته حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، أصبح حلّ الدولتين تعويذة وحسب. ثمّ اختفى في إسرائيل تقريباً بما هو اقتراح جدّي. ومع ذلك، في غياب أيّ جهد جادّ لإنشاء بديل، يظلّ هذا الشعار هو الموقف الافتراضي”.

لقد ولّت تلك الأيام، يكتب بولتون. فقد كانت المشاكل الأساسية التي أحاطت بـ “الدولة” الفلسطينية المفترضة تتلخّص في طبيعتها المصطنعة، الموروثة من الزعماء العرب المتطرّفين مثل جمال عبدالناصر في مصر، وافتقارها إلى أيّ أساس اقتصادي، وقابليّتها للسيطرة الإرهابية.

لكن إذا مات مفهوم الدولتين، فلا بدّ، في رأيه، أن نجد بديلاً. ويقترح مجدّداً حلّ “الدول الثلاث”: إعادة غزة إلى مصر، مع تقاسم إسرائيل والأردن السيادة على الضفة الغربية، معتبراً أنّ هذه المقاربة ستضمن أمن إسرائيل في حين تجعل أيضاً الفلسطينيين يستقرّون في اقتصادات قابلة للاستمرار، ومستقبل حقيقي.

يضيف: على مدى عقود من الزمن، تعرّض الفلسطينيون لانتهاكات شديدة من قبل الأيديولوجيات المتطرّفة التي نشأت بعد الاستعمار في المنطقة، إلى الحدّ الذي جعل القاهرة وعمّان ترفضان وجود سكّان قد يكونون من العناصر التخريبية تحت ولايتهما. ولكنّ الصعوبة الملموسة المتمثّلة في حلّ القضيّة الفلسطينية لا ينبغي أن تدفع الدول الإقليمية والقوى الخارجية المعنيّة إلى إعادة بناء مخيّمات اللاجئين الشاهقة الارتفاع في غزة. إنّ القيام بذلك، الذي يتطلّب تكاليف هائلة في إزالة الأنقاض والذخائر غير المنفجرة، علاوة على القضاء على شبكة أنفاق حماس، ثمّ إعادة البناء نفسها، من شأنه أن يؤدّي حتماً إلى 7 أكتوبر آخر. وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق.

نقاشٌ لا بدّ منه

البديل في رأي بولتون هو تغيير الطريقة التي تمّ بها التعامل مع الفلسطينيين لأكثر من سبعة عقود. يجب إلغاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي تعدّ ذراعاً وظيفيّاً لحماس والسلطة الفلسطينية، ونقل مسؤوليّاتها إلى المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. بدورها، يجب على المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين أن تتبع مبدأها الإنساني الأساسي، الذي بموجبه يُعاد اللاجئون إلى بلدانهم الأصلية، أو إذا لم يكن ذلك ممكناً، يُعاد توطينهم في بلدان أخرى. وإعادة التوطين من قبل المفوضية ليست قسرية، إذ يجب أن يوافق اللاجئون والدول المستقبلة على ذلك. ولكن من الصحيح أيضاً أنّ مخيّمات اللاجئين التابعة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين لا تدوم إلى الأبد، خلافاً لـ”الأونروا”، وأنّ مثل هذا الأمر يتمّ على حساب الفلسطينيين: بل على العكس تماماً. وهذا يعني أنّهم سيتلقّون المعاملة الإنسانية نفسها مثل كلّ اللاجئين الآخرين منذ الحرب العالمية الثانية.

يخلص إلى القول إنّه على الرغم من صعوبة التحوّل إلى نموذج المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإنّ تعليقات ترامب، وهي الأولى من نوعها من قبل زعيم عالمي كبير، قد تشعل النقاش الذي يجب أن يحدث قبل أن يتمّ العثور على وطن دائم للفلسطينيين في غزة.

يُذكر أنّ جون بولتون كان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى بين 2018 و2019، وسفيراً بالأمم المتحدة بين عامَي 2005 و2006. وأخيراً، مع تولّيه الولاية الثانية، أعلن ترامب سحب عناصر الخدمة السرّية المكلّفين بحماية مستشاره السابق، واصفاً إيّاه بـ”الغبيّ والأحمق”.

إيمان شمص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.