جنوب لبنان بعد العدوان: غزّة نموذجاً

6

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

ماذا بعد وقف إطلاق النار في جنوب لبنان؟ هل تسمح الولايات المتحدة للدول العربية أن تساهم في مشاريع إعادة بناء البلدات والقرى التي قامت إسرائيل بتدميرها على نطاق واسع وعن سابق تصوّر وتصميم أثناء الحرب وبعدها؟

ينطلق المشروع الأميركي الذي طرحه الرئيس دونالد ترامب لإعادة إعمار قطاع غزة من تهجير أهالي غزة وتوزيعهم على العديد من الدول. لا يحتاج أهالي بلدات وقرى جنوب لبنان إلى التهجير. هم مهجّرون وممنوعون من العودة بقوّة السلاح. صحيح أنّهم مهجّرون من لبنان إلى لبنان، إلّا أنّ السؤال المقلق هو ماذا بعد التهجير؟ وماذا يعني منع العودة بالقوّة العسكرية الإسرائيلية وبالضغط السياسي الأميركي إلى قرى وبلدات الشريط الحدودي؟

في عام 2009 صدر كتاب توثيقي للدبلوماسي المؤرّخ المرحوم عادل إسماعيل عنوانه: “مأساة جنوب لبنان”. يؤكّد المؤلّف أنّ الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب تُعتبر إحدى ثوابت السياسة الإسرائيلية التوسّعية، سواء في ما يتعلّق بضمّ الأراضي أو بالسيطرة على المياه، ينابيع وأنهاراً.

يوثّق الدكتور عادل إسماعيل في كتابه هذه المطامع الإسرائيلية مقدّماً الأمثلة التالية:

  • في تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ليفي أشكول أمام الضبّاط في سيناء بتاريخ 6 أيلول 1967، نقلته صحيفة “لوموند” الفرنسية بتاريخ 8 منه، أعلن أشكول أسفه لأن يضيع هدراً نصف مليار متر مكعّب من مياه الليطاني كلّ عام في البحر، في حين أنّ بالإمكان الاستفادة من هذه المياه “لخير شعوب المنطقة”، وهو يقصد بالدرجة الأولى شعب إسرائيل.
  • التصريح الذي أدلى به موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي بتاريخ أوّل تشرين الأوّل 1967، والذي نُشر في حينه في مجلّة الجيش الإسرائيلي ونقلته جريدة “لوموند” بتاريخ 3 منه، قال فيه إنّ حدود إسرائيل أصبحت حدوداً مثالية بعد حرب حزيران 1967 في جميع الجبهات “باستثناء حدودها مع لبنان”.
  • تصريح لموشي دايان أيضاً ألقاه في حفلة تخريج ضبّاط جدد بتاريخ 8 تموز 1968 نُشر في مجلّة “هاعولام هازي”، قال فيه: “لقد توصّل آباؤنا إلى الحدود التي رسمها مشروع التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة. وتوصّل جيلنا إلى حدود عام 1949. ثمّ توصّل الجيل اللاحق إلى السويس والأردن والجولان؟ إنّ هذا الذي توصّلنا إليه ليس هدفنا النهائي، وستُرسم في المستقبل وراء الخطوط الحالية لوقف إطلاق النار خطوط جديدة لإسرائيل، وهذه الخطوط يجب أن تمتدّ إلى ما وراء الأردن، وربّما إلى لبنان وإلى سوريا الوسطى”.

تدمير مقومات العودة

يتكامل مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب التهجيري للفلسطينيين من قطاع غزّة مع التوسّع الإسرائيلي في مرتفعات الجولان. ولقد اعترف الرئيس الأميركي نفسه “بحقّ” إسرائيل في الجولان أثناء رئاسته الأولى، وسجّلت إسرائيل أحد المرتفعات المحتلّة باسمه اعترافاً له “بالجميل”!

يتكامل أيضاً مع التوسّع الإسرائيلي في جنوب لبنان بحجّة تحقيق الأمن المائي.. وقد سبق للرئيس الأميركي أن أبدى تعاطفاً مع إسرائيل لصغر مساحتها بالمقارنة مع مساحات العديد من الدول العربية. أمّا موضوع “الحقّ” فهو آخر ما يعنيه.

في عام 1963 احتلّت إسرائيل مشارف بلدة شبعا وسيطرت على مساقط المياه فيها، وعملت على تحويل روافد نهر الأردن من سوريا ولبنان (الحاصباني والوزّاني).

في عام 1978 اجتاحت جنوب لبنان تحت عنوان “عملية الليطاني”. ورفضت تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 425 الذي طالبها بالانسحاب الفوري دون قيد أو شرط، لكنّ المظلّة السياسية – الأمنية الأميركية وفّرت لها الحماية لإطالة سنوات احتلالها.

هذا ما حدث أيضاً بعد الاجتياح في عام 1982 الذي وصل إلى العاصمة بيروت. من هنا تشكّل المطامع الإسرائيلية في لبنان، وخاصة المائيّة منها، حافزاً دائماً للعدوان. ولأنّ العدوان ينتهي عادة بعودة الأهالي إلى القرى الأماميّة، فإنّ إسرائيل عملت على إحراق المزارع وتدمير البيوت وإحراق القرى حتّى لا يعود أهلها إليها.

يساعد إسرائيل على تحقيق أهدافها تعطيل إعادة البناء من خلال منع المساعدات، وطرح مشاريع توطينيّة بديلة، على غرار مشروع ترامب لغزّة.

من هنا إذا استطاع الرئيس الأميركي ترامب أن يحوّل الجريمة الإسرائيلية ضدّ الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل في غزّة وجنوب لبنان إلى انتصار سياسي لنتنياهو وهو ما لن يحصل، فإنّه يقدّم للإنسانية مفهوماً جديداً للعدالة في العلاقات الدولية.

محمد السماك

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.