تغيير القواعد.. بين اللعبة واللعبة…

44

بقلم د. باسم عساف

ظهرت إلى العلن، ومقدمات نشرات الأخبار، والتداول بها عبر الحديث عن الحرب الدائرة في جنوب لبنان وهي تحمل عنوان: (قواعد اللعبة)، وهي تنطوي على تفسيرٍ واحدٍ لا غير: أي أنَّ هناك إتفاقٌ على شروطٍ معيّنة تحدٌد مهام ومسار ونوعية وحدود وتوقيت اللعبة، التي تُعتَمد في الإتفاق لخوضها بشكل مشترك، ربما بين طرفين أو أكثر، ولكِّنَّ الخوض فيها ضمن الشروط المعتمدة لها في اللعب بالمكان والزمان المتفق عليه.

هذا الأمر ينطبق على كل الألعاب بين بني البشر فقط، لأن عالم الحيوانات لا توجد بينهم ألعاب، إنما تطبق بينها غريزياً قانون الغاب، الذي يعتمد على أن: (الفوي يأكل الضعيف، والغلبة فيها للأقوى) وهي منذ بداية الخلق تعتبر الشريعة السائدة في عالمهم، أما في عالم البشر فالصراع دائرٌ بينهم على قاعدة: الحق والباطل، إذ أن ميزة العقل عند الإنسان وتعاليم الخالق للخلق، تحدِّد مسار ومسيرة الحق، وأن وجود الشيطان ومكائده للإنسان تحدد إتّباع الشرور والباطل، وهذا ما هو موجود منذ بداية الخلق مع آدم وحواء.

*وهنا يكمن السِّرُ في هذا الصراع المستمر منذ بَدءِ الخليقة، وكما ورد عن الشيطان الذي توعد بكلماته: (فبعزَّتك لأغوينهم أجمعين).

فكان ردُّه: (إلا عبادَك منهم المخلصين ).

نعود إلى قواعد اللعبة، حيث هناك ألعابٌ كثيرةٌ يتداولها البشر في حياتهم، ومنها محليّة، وفق كل بيئة ومجتمع وعادات وتقاليد، كألعاب التسلية والترويح عن النفس، فلها قواعد اللعب فيها، كما هو متفق عليه في كل مجتمع كألعاب المراهنة والميسر والقمار، أو ألعاب الداما والدومينو والشطرنج ولعب الورق وغيرها… ولكلٍ منها قواعد وشروط اللعبة، ولا يمكن تجاوزها، وإلا تكون اللعبة باطلة، وهناك ألعاب أخرى رياضية على سبيل المثال، فلها قواعد وشروط لكل منها بالعدد والعدة والطريقة والوسائل المعتمدة لها والتوقيت والمكان محلياً أو عالمياً.وهي محددةبالإلتزام والعمل بها، وأي خروج عن قواعد اللعبة يعرّضها للإلغاء أو الإعادة.

أيضاً الألعاب البشرية تتعدد وتتنوع لتشمل الألعاب الإلكترونية والكهربائية والمائية والثلجية والنارية وغيرها مما يشغل بال ووقت الذين يخوضونها وفق تطبيق قواعد اللعبة لكل منها.

طبعاً في كل لعبة من الألعاب البشرية، يدخل الشيطان من باب الصراع الدنيوي لإغواء الإنسان، فيحول العديد من هذه الألعاب إلى العبث والتخريب والإضرار ببني البشر فيحول الصراع معه إلى الصراع بين الشر أنفسهم، بإثارة النفوس وتأليبهم على بعض وإيجاد الخسارة والربح بينهم لإثارة الحقد والحسد والضغائن، وجعلهم في تنافر بدل التلاقي، لتصبح ألعابهم وتسلياتهم للتحدي والتفريق، وإيجاد روح الغلبة بالتنافس السلبي، الذي يثير العصبية والكره، فتتحول هذه الألعاب، التي وجدت لأجل التنفيس والترويح عن ضغوطات الحياة، لتكون هي الضاغطة على الحياة البشرية، لأنها إنحرفت عن قواعد اللعبة.

إن أتباع الباطل الذين يشكلون في غاياتهم السوداء مجموعة شياطين الإنس، وهم الذين يُعرَفون بالمفسدين في الأرض، وقد أفسدوا الحياة البشرية، من خلال تعاليمهم الخيالية، التي أفرزوها من أطماعهم التلمودية، فأطلقوا بروتوكولاتهم الصهيونية، وتحولوا إلى عالم الحيوان بالشهوانية، وإستخدام القوة للوصول إلى الغاية السُلطوية، والهيمنة على العالم بالقوة العسكرية والمالية، لتحقيق الوعود الشيطانية، بالتغلب على المفاهيم الإنسانية، وإلغائها بالألاعيب البهلوانية، وإستخدام الإغراءآت بالحرب النفسية، والغاية الكبرى تكمن بتحقيق الهيمنة العالمية.

كل ذلك جعلهم يلعبون بالنار وإستخدام القوة والحروب، بطرق مختلفة وبأساليب ماكرة وملتوية، فإستخدموا قاعدة: (الغاية تبرر الوسيلة)، حتى لا تكون هناك شروط قواعد اللعبة، معتمدة في أي تحرك لهم، إنما يستخدمونها لدى الآخرين حتى يكبلونهم بها، ويتصرفون هم على هواهم ومزاجهم، وأهم مثال بذلك، تمّ بإنشاء هيئة الأمم المتحدة ومتفرعاتها من المنظمات الدولية، لتطبق من خلالها كل المخططات، التي تدعم بروتوكولاتها وتساند كل مقرراتها، التي إعتمدتها في الحركة الصهيونية العالمية، والمؤتمر اليهودي العالمي، الذي أنتج قيام الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، وقد أقرّته الأمم المتحدة سنة /١٩٤٨ /بإعلانها دولة إسرائيل.

لقد تجاوزت أصول اللعبة لصالحها رغم إقرار: (حرية الشعوب بتقرير مصيرها، وإقرار حقوق الإنسان بالعيش الكريم، ومنع الإحتلال والتعدي على أراضي الغير، ووووو)، وكأنها تبخّرت وباتت هباءً منثورا.

هنا على أرض فلسطين قد بدأت اللعبة بين حكامها وحكام المنطقة العربية بإتفاقات إذعان من السلطات المحتلة يومها، إنكلترا وفرنسا حيث تم الإتفاق بينها بمعاهدة سايكس – بيكو، ومع اليهود بوعد بلفور، ومع الشرفاء العرب برسائل مكماهون، وتكرّست قواعد اللعبة فيما بينهم جميعاً، ليتجسد قرار قيام دولة إسرائيل في الأمم المتحدة، وقد نفذ الزعماء العرب قواعد اللعبة تماماً كما تم الإتفاق معهم، بينمتا الكيان الصهيوني هو فوق القانون وفوق القواعد، إذ بدأوا بعد التقسيم للأرض، بمدّ إحتلالهم وإستيطانهم للقرى والبلدات الأخرى من فلسطين، لتقضمها واحدةً تلو الأخرى، بمجازر وتشريد وإبادة، قد أعدّت لها مجلس الأمن، وسيطرت عليه بإعتماد الفيتو للدول الراعية والمساندة الأربع الكبرى، والتي أضيفت الصين لها، لتكوِّن الدول الخمس الكبرى، التي تجيد تطبيق قواعد اللعبة في الأمم المتحدة.

أما اليوم، وما يجري في فلسطين عموماً، وما يجري في قطاع غزٌة خصوصاً، فإننا لا نجد مطلقاً أي قواعد للعبة، حيث أنٌ الصراع بات مباشراً بين الحق والباطل، وفي حربٍ ضروسٍ ليس فيها أي لعبة، إنما الإبادة والقتل والإجرام والتشريد والتدمير، قد تجاوز كل الألعاب، وبدت الأنياب والمخالب على حقيقتها بالإمعان في إبادة الشعب الفلسطيني، غير عابئين بأي قرارٍ أمميٍ ولا أيّ حكمِ قضائيِ دولي، والذي ينفذ حالياً في العالم البشري هو قانون الغاب الحيواني، وإستخدام القوة بأسلحة الدمار الشامل، بات هو الذي يتكلم، ومن دون أي صوتٍ يعلو في الأمم أو مجلس الأمن، أو محكمة العدل الدولية، أو أي منظمةٍ أخرى تدّعي حقوق الإنسان، حيث أن قواعد اللعبة لا تسري على الكيان الصهيوني ولا على الحركة الصهيونية العالمية، وحيث تؤخذ معها الدنيا غلابا..

إن الجنوب اللبناني ومعه ساحات المساندة التي توحّدت لدعم المقاومين في غزة، والتي فُتِحت جبهاتها على أساس إتباع قواعد اللعبة، قذيفة بقذيفة، وصاروخ بصاروخ وأي إعتداء يكون له الرد المناسب، وأن جبهة الجنوب قد فتحت لإلهاء الجيش الإسرائيلي، والتخفيف عن ضرب غزة، وقد شهدنا مع هذه القواعد التجاوزات والإنحرافات العديدة، في المكان والزمان والعدّة والعدد، وإستخدام القوة وأساليبها الماكرة، في إستهداف القادة والإغتيالت الموجهة لهم، والتدمير لمنازل المدنيين، والقصف للبنى التحتية على كل الجبهات، وفي كل الساحات، وأيضاً التعدي على رجال الإعلام والإنقاذ والمسعفين، بما يفوق التصور في كل حروب الأرض، وقواعد اللعبة تسري على شعبنا وأهلنا ومقاومينا، في ظل أنها لا تعنيهم بمكانٍ ولا زمانٍ، غيرَ عابئين بها ولا بالرأي العام الدولي، الذي ننتظر منه كلمة الفصل ويبدو معها، أنه لا حياة لمن تنادي.

إن قواعد اللعبة قد جعلت هؤلاء المفسدين يتطاولون على البشرية جمعاء ويتحدّون العالم بالصلف والعناد والجنون، على المثل القائل: (يا فرعون مين فرعنك، فقال: ما حدا واجهني وردني)، وبهذا يكون المفسدون من أهل صهيون، هم الغالبون.

بينما عملية طوفان الأقصى، والصمود والثبات من أهل غزة، يعطوننا المثل والمثال، أن المقاومة الحقيقية تعتمد على المواجهة والدفاع عن الأرض، ولو بصدورٍ عارية، دفاعاً عن الحق في تقرير مصيرهم، مقابل الباطل في الإحتلال والإبادة، والدليل على ذلك: بأن القوة لا تغلب الحق، ولوتمادت وأمعنت وأجرمت، لأن الإرادة والإخلاص والثبات دون خيانة، هو الذي يجلب النصر كما في غزّة اليوم وبعد عشرة أشهر من القتل والقصف والتدمير، دون تحقيق أي شرطٍ من شروط الغزو لغزة، والعبرة فيها هي في تغيير قواعد اللعبة لتكون المواجهة حقيقية لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، والتخلي عن اللعبة وقواعدها، التي أضَرّت بالأمّة على مرِّ التاريخ والجغرافيا..

د. باسم عساف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.