ترامب يُشعل “حرب ضمّ الكواكب”؟!

18

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

في خطاب القَسَم، تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على “رفع العلم الأميركي في كوكب الزهرة”. وقبل ذلك دعا “نيوت غنفريتش” عضو الكونغرس الأميركي السابق أثناء حملة ترشّحه للرئاسة الأميركية، إلى إعلان القمر ولاية من الولايات الأميركية. انطلق غنفريتش في دعوته تلك من أنّ العلم الأميركي كان أوّل علم زُرع في أرض القمر. ويطمح الرئيس الحالي ترامب إلى أن يكون العلم الأميركي العلم الأوّل الذي سوف يُزرع في أرض المرّيخ.

هناك تقليد اعتمدته الدول الأوروبية الكبرى منذ القرن السابع عشر، يقضي باعتبار أيّ أرض مكتَشَفة ملكاً للدولة التي تكتشفها. هكذا مثلاً أصبحت أستراليا بريطانيّة. وهكذا أصبحت آلاسكا روسيّة. وهكذا أيضاً أصبحت جزر القمر فرنسيّة، وجزر البليار إسبانيّة. وهكذا أصبحت إندونيسيا هولنديّة، والكونغو بلجيكيّة، والأرجنتين برتغاليّة… إلخ.

حتّى إن الفلبين سُمّيت كذلك تيمّناً باسم الملك الإسباني فيليب. وتبعاً لذلك سُمّي سكّان الفلبين الأصليين من الذين اعتنقوا الإسلام “مورو”، أي مغربيّ، وهو اللقب الذي كان يطلقه الإسبان على كلّ مسلم منذ ما بعد إخراج المسلمين من الأندلس. وهكذا أيضاً تحوّل اسم مدينة “أمان الله” إلى مانيلا.

إنّ تقليد “الضمّ” الذي اعتُمد في مناطق عديدة من العالم منذ القرون الوسطى، يُطرح اليوم من جديد لاعتماده في الفضاء. فالمرشّح السابق للرئاسة الأميركية يعتبر أنّ رفع العلم الأميركي في أرض القمر هو إعلان بأمركته… ليصبح ولاية جديدة تضاف إلى الولايات الأميركية. وهذا ما يطمح إليه أيضاً الرئيس الأميركي الجديد – القديم دونالد ترامب من خلال إعلانه الرغبة بالعمل على رفع علم الولايات المتحدة في المرّيخ.

“أمركة” القمر والمريخ… وكندا

من هنا، ليس غريباً على من يتطلّع إلى “أمركة” القمر والمرّيخ، أن يتطلّع إلى أمركة كندا، الجارة القريبة، باعتبار أنّها أولى بمعروف “الضمّ”؟! أو جزيرة غرينلاند الغنيّة بمعادنها. وليس غريباً أيضاً أن يتطلّع إلى “استعادة” قناة باناما التي تربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي من الدولة البانامية، بذريعة أنّ المهندسين الأميركيين هم الذين أشرفوا على تنفيذ حفر القناة بعدما عجز المهندسون الفرنسيون، الذين نجحوا قبل ذلك في حفر قناة السويس في مصر.

غير أنّ ما هو أهمّ من ذلك هو أنّ من يسيطر على قناة باناما يسيطر على الممرّ التجاري الأهمّ للصين مع دول أميركا الجنوبية. والصراع الصيني– الأميركي يتمحور حول التجارة الخارجية باعتبارها أساساً للعلاقات الخارجية.

لم تُكتشف حياة إنسانية في أيّ من القمر أو المرّيخ اللذين تستهدفهما مشاريع الغزو الجديدة. ولذلك لن تواجه القوات الآتية إليهما من الأرض عاجلاً أو آجلاً، مقاومة محلّية، كما فعل الأفارقة في إفريقيا، والهنود الحمر في أميركا، والإندونيسيون والفلبينيون في شرق آسيا.

لكن هل يصحّ اعتماد مبدأ القرون الوسطى بأنّ من يصل أوّلاً يصبح مالكاً وملكاً؟ أي أنّ السيادة هي لمن يصل أوّلاً ويرفع علمه؟ وماذا إذا وصلت دولة أخرى إلى المريخ بعد الولايات المتحدة… كالهند أو الصين أو روسيا أو…؟ ماذا تكون النتيجة؟

نتائج الخلاف على ثروات الكواكب؟

على الرغم من دخول الإنسانية القرن الواحد والعشرين، لا تزال تختلف على رسم الحدود بين دولها. فكيف تستطيع أن ترسم حدوداً لتطلّعاتها في الفضاء الخارجي؟ سبق أن أدّى الخلاف على ثروات الأرض المحدودة إلى حروب قضت على الملايين من البشر. فكيف ستكون نتائج الخلاف على ثروات الكواكب غير المحدودة، خاصة أنّ ثروات الأرض الطبيعية بدأت تنفد أو تتلوّث؟

لقد رفضت الدانمرك التنازل عن غرينلاند. ورفضت باناما التنازل عن القناة. ورفضت كندا التخلّي عن هويّتها وسيادتها الوطنيّتين، فكيف سيردّ الرئيس ترامب؟ ليس الدانمركيون ولا الكنديون ولا حتى الباناميون هنوداً حمراً لإخضاعهم بالقوّة. إلّا أنّ المفارقة الفجّة هي أنّه، فيما يعلن الرئيس الأميركي نواياه التوسّعية ليجعل من أميركا عظيمة، حسب شعاره الانتخابي، يبني جدار فصل مع المكسيك، ويعلن حالة الطوارئ على طول الحدود معها. وفي الوقت ذاته يُسقط حقّ المواطنة عن مواليد اللاجئين إلى الولايات المتحدة.

من هنا أهمّية التفاهم الدولي على كيفية التعامل بحكمة وترفّع عن الأنانيّات مع عالم الفضاء الخارجي لتجنيبه الويلات التي غرق فيها الإنسان حتى أذنيه في عالم الأرض.

لكن هل يستطيع أن يعطي من لا يملك؟

محمد السماك

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.