ترامب يحاكي الدّاخل ليُسمِع الخارج الصيني

0

بقلم ابراهيم ريحان

«أساس ميديا»

المُفاجئ في كلمة الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب في حفل تنصيبه، كانَ عدم تطرّقه إلى السّياسة الخارجيّة للولايات المُتحدة. لكنّ هذا لا يعني أنّ كلامه حول الدّاخل، لم يكن موجّهاً في الوقت عينه إلى القوى الخارجيّة. فكيف ذلك؟

 تسلّم دونالد ترامب مهامّه الرّئاسيّة بشكلٍ رسميّ بعد ظهر الإثنين الماضي. هذا التنصيب اعتبره الرّئيس المُنتخب “بداية العصر الذّهبيّ للولايات المُتحدة الأميركيّة”. فركّز في كلمته على الملفّات الدّاخليّة، مثل مسألة الهجرة وفرض التعرفات الجُمركيّة والاقتصاد والانسحاب من اتفاقيّة باريس للمناخ والعودة إلى استخراج الوقود.

الدّاخل للخارج

لكنّ هذه المسائل “الدّاخليّة” لها ما لها من معانٍ تتعلّق بالسّياسةِ الخارجيّة لإدارة ترامب. ففرضُ التعريفات الجُمركيّة على البضائع الأجنبيّة وإعادة إنعاشِ القطاع الصّناعيّ في الولايات المُتحدة، هو بحدّ ذاتهِ رسالة للصّين. وهي خطوات لا تنفصِل عن تحضيرات الإدارة الأميركيّة الجديدة لمُقارعة بكّين في المجال التّجاري – الاقتصاديّ الذي يرتبطُ ارتباطاً وثيقاً بالنّفوذ السّياسيّ الصّينيّ.

تنظُرُ إدارة ترامب إلى مسألةِ وقفِ الحروب في الشّرقِ الأوسطِ وأوكرانيا على أنّها أساسٌ في المُنافسةِ المنتظرة مع الصّين. فرؤية ترامب لوقفِ الحربِ في أوكرانيا مبنيّة على سياسة عنوانها استيعابِ روسيا ومأزقها في أوكرانيا في مُقابل إبعادِها عن الصّين، أو إخراجها من دائرة الصّراع التجاريّ – السّياسيّ مع بكّين.

هذا الصّراعُ الذي كانَ حاضراً بين سطورِ كلمةِ ترامب، سيكون مُكلفاً على بكّين التي تعتمدُ في قوّتها التّجاريّة والصّناعيّة على الشّركات الأميركيّة التي تستثمرُ في الصّين، وعلى السّوق الأميركيّ الذي يُعتبَرُ المُستهلكَ الأوّل للبضائع والمُنتجاتِ الصّينيّة. ففرضُ أو رفع التعرفات الجمركيّة على البضائع الآتية من الصّين ستُسبّب أزمةً حقيقيّة للشّركات الصّينيّة وتضعها أمام خياريْن:

1- نقل المصانع إلى الولايات المُتحدة والاستثمار فيها. وهذا يعني تقوية الصّناعة والاقتصادِ الأميركيَّين على حسابِ الاقتصاد الصّينيّ.

2- تقبّل الأمر الواقع وخسارة المنافسة في السّوقِ الأميركيّ لحساب الشّركات الأميركيّة التي ستنال دعماً واسعاً من إدارة ترامب الجديدة.

من الوعود إلى التّنفيذ

كانَ هذا الدّعمُ حاضراً في الوعودِ الانتخابيّة لترامب ونائبه جي. دي. فانس، الذي ينحدرُ من منطقةِ “حزام الصّدأ”، ذات الطّاقة العُمّاليّة والصّناعيّة. وهذا ما شجّعَ الثّنائي ترامب – فانس على تبنّي سيّاسة انعزاليّة في السّياسة الخارجيّة لمصلحة الاقتصادِ، الذي ينبغي أن يكونَ متيناً جدّاً لضمان التقدّم على الصّين دوليّاً وتجاريّاً، وأيضاً لضمانِ استمرارِ ولايةِ ترامب بعد 4 سنوات في حالِ قرّرَ جي. دي. فانس التّرشّح لمنصبِ رئيس الولايات المُتحدة.

من هنا يمكنُ القول إنّ ترامب بدأ عهداً جديداً داخل الحزب الجمهوريّ، قد تصحّ تسميته بـ”الترامبيّة السّياسيّة”. وهذا كانَ من الأسباب التي دفَعَت بعضَ “صقور الجمهوريين” مثل الرّئيس الأسبق جورج بوش الابن وجون بولتون لدعمِ المُرشّحة الدّيمقراطيّة كامالا هاريس على حسابِ دونالد ترامب.

إذ إنّ تيّار “الصّقور الجمهوريين” كان يستشرف أنّ نجاحَ ترامب في الانتخابات الرّئاسيّة يعني هيمنة “ترامبيّة” على الحزبِ الجمهوريّ، وربّما على الولايات المُتحدة بعدَ التّراجع الكبير للحزبِ الدّيمقراطيّ في الرّئاسة ومجلسَيْ الشّيوخ والنّوّاب.

إيران… بحثٌ مؤجّل

أمّا اللافت فكان عدم تطرّق ترامب في كلمتهِ إلى الملفّ الإيرانيّ. وعلى الرّغمِ من أولويّة هذا الملفّ بالنّسبة للأميركيين والإيرانيين على حدٍّ سواء، إلّا أنّه متروكٌ للمُقبلِ من الأيّام.

المرشدُ الإيرانيّ علي خامنئي كانَ أوّل من تحضّرَ في المنطقة لمجيء ترامب. وكانَ يُزكّي أو يفسح المجال أمام الإصلاحيّ مسعود بزشكيان ليوجّه رسائلَ لترامب تتضمّن نيّته التفاوض. وبالفعل تولّت وتتولّى سلطنةُ عمان تبادل الرّسائل بين طهران والإدارة الجديدة. لكنّ هذا لا يعني بالضّرورة أنّ الاتّفاقَ وشيك.

يترقّبُ الإيرانيّون الخطوات التي ستتّخذها إدارة ترامب، وما إذا كانت ستُسارع لفرضِ عقوبات قبل التفاوض أو بعده. لكنّ المؤشّرات الآتية من طهران تؤكّد أنّه لو لم يكُن المرشد الإيراني مُستعدّاً للتفاوض لما سهّل وصول بزشكيان، ولكانَ سهّل وصول سعيد جليلي مع ما يعنيه من نيّةٍ واضحةٍ للصّدام مع الغرب.

وبالتّالي لن تكونَ أيّ خطواتٍ تفاوضيّة بين واشنطن وطهران قبل نهاية شهر آذار، وإلى ذلكَ الحين ستبقى إيران تترقّب.

التّرقّب الذي يسودُ إيران لغيابها عن خطابِ التنصيب، يسودُ الكثير من الدّول. لكنّ الأساس في أيّ خطوةٍ على صعيد السّياسة الخارجيّة لإدارة ترامب، من حدود المكسيك وخليجها (خليج أميركا)، وصولاً إلى رمال الشّرق الأوسط المُتحرّكة، سيكونُ كلّه نابعاً من أفقِ الصّراع الأميركيّ – الصّينيّ.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.