ترامب مع الخارج: “أميركا أوّلاً”.. أو العودة إلى “التقاليد”؟

5

بقلم موفق حرب

«أساس ميديا»

معروف عن الرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب أنّه ينتهج استراتيجية مفاجأة الأخصام والأعداء، وفي بعض الأحيان الأصدقاء، من أجل تعزيز موقفه التفاوضي قبل التوصّل إلى صفقة في سبيل “جعل أميركا عظيمة مرّة أخرى”. وهو شعار تيّاره الشعبي وحملته الانتخابية. لكنّ توجّهات ترامب ورغباته أصبحت معروفة وعبّر عنها مراراً في حملته الانتخابية وسابقاً أثناء ولايته، وتحديداً في ما يخصّ السياسة الخارجية. وهي مبنيّة على مبدأ “أميركا أوّلاً” حتّى لو كانت على حساب الحلفاء والأصدقاء. لكنّ المفاجأة في ولايته الثانية ستكون في حال قرّر تغيير أسلوبه في إدارة الدولة والتزم تقاليد اتّخاذ القرار في ما يخصّ الشؤون المتعلّقة بالأمن القومي الأميركي.

يُعدّ صنع القرار في السياسة الخارجية الأميركية نظاماً معقّداً يشارك فيه العديد من الجهات الفاعلة والمؤسّسات، ويهدف إلى تحقيق توازن بين المصالح الوطنية والاعتبارات الأمنيّة والدبلوماسية العالمية. تتأثّر هذه العملية بالصلاحيّات الدستورية والديناميكيّات السياسية والهياكل المؤسّسيّة.

المكوّنات الرئيسية لصنع القرار:

  1. رئيس الولايات المتّحدة
  • يتمتّع الرئيس بالسلطة الأساسية في السياسة الخارجية بصفته القائد الأعلى للقوّات المسلّحة والدبلوماسيّ الأوّل.
  • مسؤول عن وضع أجندة السياسة الخارجية، والتفاوض على المعاهدات (التي تتطلّب مصادقة مجلس الشيوخ)، وإصدار الاتّفاقات التنفيذية.
  • يمكنه نشر القوّات العسكرية دون موافقة الكونغرس لفترات محدودة بموجب قرار سلطات الحرب.
  1. مجلس الأمن القوميّ (NSC)
  • يُعدّ مجلس الأمن القومي المنتدى الرئيسي للرئيس لمناقشة قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية.
  • يدمج المعلومات من مختلف الوكالات لتقديم المشورة الاستراتيجية.
  • يضمّ الأعضاء الأساسيّين: الرئيس، نائب الرئيس، وزير الخارجية، وزير الدفاع، ومستشار الأمن القومي.
  1. لجنة الأساسيّين (Principals CommitteePC)
  • تُعدّ هذه اللجنة المنتدى الأعلى بين الوكالات لمناقشة قضايا السياسة التي تؤثّر على الأمن القومي.
  • تشمل رؤساء الوزارات الرئيسية مثل: وزير الخارجية، وزير الدفاع، وزير الخزانة، والمدّعي العامّ، وغيرهم حسب الموضوع. وقد ينضمّ إليهم مدير الاستخبارات الوطنية ومدير “سي آي إي” إذا دعت الحاجة.
  • يرأسها مستشار الأمن القومي في حال عدم حضور الرئيس، ويلعب دور المنسّق بين مختلف الوكالات وإدارات الدولة.
  • إدارة الأزمات: في حالات الطوارئ، تعمل لجنة الكبار بسرعة على وضع توصيات للرئيس.
  • الإشراف على التنفيذ: بعد اتّخاذ القرارات، يقوم كبار المسؤولين بتنسيق جهود وكالاتهم لضمان تنفيذ السياسات بفعّالية.

يضمن هذا النظام أن تكون قرارات السياسة الخارجية شاملة، مع تحقيق التوازن بين الأهداف الاستراتيجية والتنفيذ العمليّ.

  1. لجنة النوّاب (Deputies CommitteeDC)
  • تتألّف من نوّاب رؤساء الوكالات المعنيّة، وتعمل على تنسيق السياسات بين الوكالات وإعداد القضايا لعرضها على لجنة الكبار.
  • تتولّى التحليل التفصيليّ والتنسيق بين المؤسّسات.
  1. الوزارات والوكالات
  • وزارة الخارجية: تقود الجهود الدبلوماسية وتنفيذ السياسة الخارجية.
  • وزارة الدفاع: تقدّم المدخلات العسكرية وتنفّذ السياسات الأمنيّة.
  • المجتمع الاستخباري (CIA, DNI, NSA): يوفّر التقويمات الاستخبارية.
  • وزارة الخزانة: تدير العقوبات الاقتصادية والسياسات المالية.
  • تسهم وكالات أخرى، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الطاقة، حسب مجالات السياسة المحدّدة.

يسعى هؤلاء إلى التوصّل إلى إجماع، لكن في حال تعذّر ذلك تتمّ المراجعة قبل الذهاب إلى الرئيس ليتّخذ القرار الحاسم.

  1. الكونغرس
  • يمتلك سلطة إعلان الحرب، والموافقة على المعاهدات، وتمويل العمليات الخارجية، والإشراف على الإجراءات السياسية.
  • تلعب لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب أدواراً رئيسية في مراجعة السياسات.
  1. التّأثيرات الخارجيّة
  • يمكن أن يؤثّر الرأي العامّ ووسائل الإعلام وجماعات الضغط والحكومات الأجنبية على صنع القرار. وهنا يأتي دور اللوبيات من قبل أشخاص يمتلكون القدرة على الوصول، والنفوذ في البيت الأبيض ولدى المؤثّرين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
  • تقدّم مراكز الأبحاث والمستشارون السياسيون الدراسات والتوصيات. لكنّ ترامب غير معروف بنفوره من هذه المؤسّسات التي يعتقد أنّها جزء من “المستنقع” الذي قاد أميركا إلى مسار انحداري.

‏ يعتقد الرئيس ترامب وهو متسلّح بالانتخابات والنتائج الأخيرة، أنّه خلال العقود الأخيرة لم تكن الولايات المتحدة على مسار جدّي، وأنّ حلفاء الولايات المتحدة لا أعداءها فقط استغلّوا الولايات المتحدة. لذلك قد لا يتبع العملية التقليدية في اتّخاذ القرار. فريق ترامب الذي اختاره للمراكز الأساسية معروف عنه الولاء للرئيس أكثر من موافقته على مقاربته لبعض المسائل الخارجية، لكنّه ملتزم تنفيذ رغبات الرئيس. خيار ترامب لمنصب وزير الخارجية، مارك روبيو، قد يكون الاستثناء الوحيد. المعروف أنّ ترامب غير معجب بروبيو الذي كان منافساً له في انتخابات الرئاسة في المرّة الأولى، ومن المؤكّد أنّ له أجندته الخاصّة، وتحديداً في البيت الأبيض، خصوصاً أنّ ترامب لا يستطيع أن يترشّح لولاية ثالثة.

فهل يتبع ترامب تقاليد اتّخاذ القرار في واشنطن؟

في ظلّ رئيس غير تقليدي سيكون هناك الكثير من الممارسات غير التقليدية والخروج عن الأعراف الدبلوماسية. وهذا سيسمح ببروز أشخاص خارج المؤسّسات الرسمية من أصدقاء الرئيس ترامب، ومعظمهم من أصحاب الثروات.

كان أسلوب دونالد ترامب في اتّخاذ القرارات، خاصة خلال فترة رئاسته، غالباً ما يبتعد عن العمليات التقليدية. وقد ركّزت سياسة “أميركا أولاً” على إعطاء الأولوية للمصالح الأميركية على حساب النهج الدبلوماسي المتعدّد الأطراف أو التقليدي:

  • غالباً ما تجاوز ترامب القنوات التقليدية، مفضّلاً اتّخاذ إجراءات أحاديّة الجانب، مثل الانسحاب من اتفاقات دولية كاتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي مع إيران.
  • بينما اعتمدت الإدارات السابقة بشكل كبير على تحليل الخبراء والتوافق بين الوكالات، كان ترامب غالباً ما يتجاهل الخبراء أو يتجاوز النصائح التقليدية من أجل قرارات مبنيّة على الحدس أو دوافع سياسية.
  • ركّزت سياسته بشكل كبير على الفوائد الملموسة للولايات المتحدة، مثل الصفقات التجارية أو المساهمات المالية من الحلفاء، بدلاً من المبادئ المجرّدة للتعاون الدولي.
  • فضّل ترامب التعامل المباشر مع قادة الدول الأجنبية (مثل كيم جونغ أون في كوريا الشمالية)، مع التركيز غالباً على بناء علاقات شخصية بدلاً من الالتزام بالأعراف الدبلوماسية التقليدية.

بينما شكّلت هذه السمات نهجه خلال فترة رئاسته، فإنّ استمراره في اتّباع نهج مشابه في المستقبل يعتمد على عوامل مختلفة. بما في ذلك السياق الجيوسياسي وتشكيلة إدارته. ومع ذلك، بناءً على تجربته السابقة، من المرجّح أن يواصل التركيز على الإخلال بالأنماط التقليدية وإطار عمل قائم على تحقيق النتائج.

موفق حرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.