تداعيات اغتيال اسماعيل هنيّة على إسرائيل وصفقة التبادل

37

المحامي أسامة العرب

لطالما كان الشهيد اسماعيل هنية، رحمه الله، معرضًا في كل الأوقات للاغتيال من قبل دولة الاحتلال الإرهابية، ويعلم أن مصيره في نهاية المطاف الفوز بالشهادة التي كان يسعى لنيل شرفها العظيم، إذ تعرض الشهيد لمحاولات اغتيال سابقة، حيث جُرحت يده يوم 6 أيلول 2003 إثر غارة إسرائيلية استهدفت بعض قياديي حماس من بينهم الشيخ أحمد ياسين، رحمه الله، مؤسس الحركة. كما تعرض موكب هنية لإطلاق نار في غزة يوم 20 تشرين الأول 2006، واستهدفت إسرائيل منزله في غزة بالقصف في حروبها على غزة خلال السنوات الماضية سعيًا لاغتياله؛ ومن ثم خلال الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، والتي بدأت في السابع من تشرين الأول الماضي، قصفت الطائرات الإسرائيلية منزل هنية في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غربي مدينة غزة؛ ولاحقًا في 10 تشرين الثاني 2023، اغتالت إسرائيل حفيدة هنية في قصف استهدف مدرسة تؤوي نازحين بمدينة غزة؛ وبعدها اعتقلت الشرطة الإسرائيلية يوم 1 نيسان 2024 إحدى شقيقات هنية قرب مدينة بئر السبع في النقب بتهم تشمل التواصل مع أعضاء في الحركة؛ ومن ثم اغتالت 3 من أبنائه و3 من أحفاده يوم 10 نيسان 2024، عندما كانوا على متن سيارة لأداء صلة الرحم، وتهنئة سكان القطاع بمناسبة عيد الفطر.

وقبل اغتيال الشهيد اسماعيل هنية، رحمه الله، اغتالت إسرائيل في 22 آذار 2004 مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وعقب ذلك بأسابيع معدودة اغتالت خلفه عبدالعزيز الرنتيسي في 17 نيسان من نفس العام، ليخلفه الشهيد هنية حينئذ في قيادة الحركة بغزة، وبعد 20 عامًا ها هو يلحق بهم إلى جوار ربه في جنات النعيم برفقة النبيين والشهداء والصديقين، حيث لا عينٌ رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، إذ يقول تعالى في محكم تنزيله:» ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون».

أما اليوم، فإنّ اغتيال الشهيد اسماعيل هنية، هنّأه الله بالشهادة في سبيله، التي يتمناها كل «مؤمن حقيقي»؛ يُمثل اغتيالًا لرأس الهرم في المقاومة الفلسطينية في غزة، وبالتالي سوف لن يمرّ مرور الكرام، وسيقضي بكل تأكيد على صفقة تبادل الأسرى والهدنة، وسينهي المفاوضات الدائرة بشأنها بشكل نهائي؛ لاسيما أن الشهيد هنية ليس برئيس عادي للحركة، وإنما رئيس استثنائي، حيث شغل عام 2013 منصب نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، ثم تولى في العام 2007، منصب قيادتها في قطاع غزة، قبل أن يتركها في عام 2017 ليخلفه فيها يحيى السنوار، وليتولى هو في 6 أيار 2017، رئاسة مكتبها السياسي، خلفًا لخالد مشعل.

كما أن اغتيال الشهيد اسماعيل هنية، تقبله الله في عداد كبار الشهداء في سبيله تعالى، له رمزيته كرئيس حكومة سابق للدولة الفلسطينية تضاف إلى رمزيته كقائد للمقاومة الفلسطينية، حيث سبق أن ترأس هنية، خلال الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006، كتلة «التغيير والإصلاح» التابعة لحماس، والتي حصدت غالبية المقاعد، ليكلّفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس حينها، بتشكيل الحكومة؛ وبالتالي فإن استهدافه اليوم من قبل العدو الصهيوني لا يشكل استهدافًا فقط للمقاومة الفلسطينية في غزة ولا لصفقة التبادل والهدنة، وإنما أيضًا للدولة الفلسطينية التي تسعى إسرائيل بكافة أطيافها السياسية، للقضاء عليها. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن اغتيال القائد الأعلى للمقاومة الفلسطينية في غزة، في الجمهورية الإيرانية، وتحديدًا في طهران، وبالأخص في مناسبة زيارته للرئيس الإيراني الجديد الدكتور مسعود بزشكيان للمشاركة بمراسم تنصيبه رئيسًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ما يشكل تهورًا أحمقًا للغاية من قبل إسرائيل، واستفزازًا واضحًا للدولة الإيرانية، حاضنة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية؛ ذلك أن إسرائيل قد تكون ورطت نفسها في المنطقة في حرب أوسع مما تتوقع، تمتد من طهران إلى العراق شمالًا فإلى صنعاء جنوبًا مرورًا بسوريا ولبنان وصولًا إلى فلسطين، مما سوف يفاقم من أزمة إسرائيل وعزلتها الإقليمية والدولية ويحول دون استعادتها أسراها وقد يسقط حكومتها إثر الخلافات العميقة التي بدأت تظهر بين المعارضة الإسرائيلية ومعسكر نتنياهو. وما يرجح ذلك، أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الإمام علي خامنئي، قد صرّح عقب الاغتيال أن إسرائيل «ستعاقَب بشدة» على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية فجر الأربعاء في طهران؛ وأن «الثأر» لاغتيال هنية «واجب» على إيران، لأنه اغتيل على أراضيها، وفي عاصمتها.

 كذلك، لأن الحرس الثوري الإيراني، أكبر قوة عسكرية إقليمية في المنطقة، سارعت للتأكيد أن اغتيال هنيئة «سيقابل برد قاس وموجع»، وبأن «إيران ومحور المقاومة معًا سيردان على هذه الجريمة»، في إشارة من الحرس الثوري لتعاون مشترك في الردّ على إسرائيل، مع كل فصائل المقاومة المتحالفة مع محور المقاومة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فضلًا عن أن، تهديد المرشد الأعلى الإمام علي خامنئي والحرس الثوري بالانتقام لهنية، لم يكونا الوحيدان في إيران، إذ توّعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن طهران ستجعل «المحتلين الإرهابيين يندمون على فعلتهم الجبانة»، وأنّ الردّ هو مسألة كرامة بالنسبة لبلاده، التي وقع الاغتيال فيها.

وفي نفس السياق، اعتبرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، أن اغتيال القائد السياسي للحركة إسماعيل هنية قد نقل المعركة لأبعاد جديدة، وأن دماءه «لن تذهب هدرًا، مؤكدةً أن حصول عملية الاغتيال الإجرامية بحق القائد هنية في قلب العاصمة الإيرانية حدث فارق وخطير، سينقل المعركة إلى أبعاد جديدة وسيكون له تداعيات كبيرة على المنطقة بأسرها؛ ومشدّدة على أن العدو أخطأ بالتقدير حينما وسّع دائرة عدوانه واغتياله أبرز قادة المقاومة في مختلف الساحات، وحينما انتهك سيادة دول المنطقة، وأقواها.

ختامًا، نؤكد بأن نتنياهو أحمق، وسوف يؤدي إلى انهيار إسرائيل بإذن الله، بفضل تهوّره وغبائه السياسي المعتاد، واعتقاده أنه أذكى من أقرانه الإسرائيليين، وأكثرهم حنكة، لاسيما بعدما قضى على صفقة التبادل وتحرير أسراه، وبعدما ازدادت وستزداد أكثر وتيرة المظاهرات الإسرائيلية المطالبة بإسقاط الحكومة اليمينية المتطرفة، وبعدما بات الجيش الإسرائيلي منهكًا بعد حوالي عشرة أشهر تقريبًا من الحرب على قطاع غزة، وبعد توسيعه نطاق حروبه شمالًا باستهدافه الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية،  وميناء الحديدة في اليمن، وحتى العاصمة طهران، وبعدما لم يعد باستطاعته المضي قدمًا بالمشروع التطبيعي الأميركي في المنطقة، إثر رفضه للاعتراف بالدولة الفلسطينية وحلّ الدولتين، وإثر تنكيله بالأسرى الفلسطينيين ومواصلته إبادة سكان قطاع غزة جماعيًا، ووصول عدد الشهداء والجرحى إلى ١٣٠ ألف، واقتراب المجاعة في القطاع إلى أعلى مستوى في التاريخ الحديث.

كل هذا يثبت أن زمن العلو الإسرائيلي قد انطوى، وأن دولة الاحتلال قد باتت في عزلة دولية وإقليمية كبرى، لاسيما بعدما رأينا تركيا مؤخرًا تهدّد إسرائيل لأول مرة بالتدخل العسكري، ولذا يُتوقع أن تتنصل حتى الإدارة الأميركية مستقبلًا من تبعات جرائم دولة الاحتلال، خصوصًا إذا ما واصلت طريق نحرها نفسها بنفسها واستمرت بتجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها لها الولايات المتحدة، ورفضت كل حلول السلام مع الفلسطينيين، وهو ما قد يحرّك المجتمع الدَّوْليّ ومحكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية وحتى مجلس الأمن ضدها في نهاية المطاف، ويُلزمها بوقف إطلاق نار شامل دونمَا تحقيق لأيّ من أهدافها المعلنة في غزة، وهو ما سيمثل نصرًا حقيقيًا للمقاومة الفلسطينية وحركة حماس التي كسرت هيبة أقوى رابع جيش في العالم وأذلته، وهذا ما سيعيد الألق لنهج المقاومة في مواجهة نهج التطبيع، وسيؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ويحرّر القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك في القريب العاجل، بإذن الله سبحانه وتعالى.

المحامي أسامة العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.