تحليق سعوديّ – تركيّ… خارج الإقليم

25

بقلم د.سمير صالحة

«اساس ميديا»

حكاية بيضة فرخ النسر، التي سقطت في قنّ الدجاج فعاش هناك ظانّاً نفسه واحداً منهم، معروفة. لا خيار أمام من لا يريد أن يحلّق مع الرياض وأنقرة في الإقليم، سوى متابعة ما أنجزاه خلال عام واحد على طريق التغيير والتهدئة في لبنان وسوريا وغزة وملفّات القارّة السمراء. الأعين مشدودة هذه المرّة نحو الحرب الروسية – الأوكرانية، دائرة الخطر المشتعلة منذ 3 سنوات والقابلة للتحوّل إلى مواجهة دولية بسبب الاصطفافات الحادّة التي تواكبها.

 دخول تركيا والمملكة العربية السعودية على خطّ الوساطة في القرم ليس بجديد. كانت هناك أكثر من محاولة في السرّ والعلن باتّجاه جمع أطراف النزاع وداعميهم تحت سقف واحد  يسهّل الحوار والتفاهم. لكنّ العقبة كانت دوماً في كثرة عدد اللاعبين وضخامة الملفّات المتداخلة المرتبطة بالصراع، وتشدّد كلّ محور في تلقين الآخر درساً يقود إلى بناء عالم جديد بالطريقة التي يريدها.

رسائل دونالد ترامب قبل وصوله إلى البيت الأبيض وانفتاح فلاديمير بوتين على طاولة تفاوض حقيقية، ساهما في تحريك الجهود التركية السعودية بعد فشل أكثر من محاولة إقليمية وأممية.

لن يكون صدفة أن تجمع الرياض رأسَيْ الدبلوماسية الأميركية والروسية ماركو روبيو وسيرغي لافروف في لقاء استراتيجي من هذا النوع، وأن يقرّر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي التوجّه إلى أنقرة بشكل مفاجىء وعلى عجل في موسم البرد والثلج.

الاختراق يعزّز دور البلدين

إذا أردنا أن نعرف ما الذي جرى في أنقرة علينا أيضاً أن نعرف نتائج محادثات الرياض. لا تفاصيل كثيرة بعد عمّا تمّ تحقيقه حتى الآن على خطّ الرياض – أنقرة باتّجاه وقف القتال على الجبهات الروسية – الأوكرانية. لكنّ إنجاز تحقيق اختراق سياسي دبلوماسي من هذا النوع، فشلت الكثير من العواصم والمنظّمات الإقليمية والدولية في إنهائه، يعزّز دور البلدين إقليمياً ودولياً، ويجعل من المنطقة معبر سلام بين الدول والقارّات من دون توقّف عند الجغرافيا والحدود والانتماءات.

إذا أردنا أن نعرف نتائج زيارة الرئيس الأوكراني لتركيا، فعلينا أن نرصد عن قرب حصيلة اللقاءات التي قادتها الخارجية السعودية على خطّ واشنطن – موسكو، وما أسفر عنها باتّجاه الانطلاقة الجديدة في التعامل مع ملفّ الحرب الروسية الأوكرانية. لا بدّ أن تكون القراءة جامعة لتحلّل نتائج الحراك السعودي التركي في العاصمتين.

منصّة دوليّة جديدة

يقول رجب طيب إردوغان إنّ الوقت قد حان لإنهاء الحرب في القرم. لكنّ ما يدفع الرئيس التركي للوصول إلى مثل هذا الاستنتاج مبنيٌّ حتماً على ما أبلغته به القيادة السعودية، في ضوء نتائج جهودها على الطاولة الثلاثية في الرياض. تضغط تركيا على زيلينسكي وتقرّب الرياض بين الجانبين الأميركي والروسي فتذهب الأطراف إلى منصّة دولية جديدة.

مؤشّرات كثيرة تقود إلى الاعتقاد بوجود تنسيق سعودي – تركي مشترك قبل تفعيل قنوات الاتّصال السياسي والدبلوماسي المتعدّد الجوانب، لكن بهدف أساسي واحد هو تحريك الجمود الحاصل على خطّ موسكو- كييف بدعم أميركي أوروبي. السيناريو الأقرب هو ترتيب سريع لطاولة جديدة تحت عنوان تشكيل منصّة الدول الضامنة للحلول والتفاهمات التي سيتمّ الوصول إليها، قبل التوجّه إلى طاولة تجمع المتنازعين في إطار جهود وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات إنهاء القتال.

لن تكون صدفة زيارة زيلينسكي المفاجئة لأنقرة، فهي تتمّ في اليوم والساعة اللذين يبدأ فيهما الاجتماع السعودي- الأميركي- الروسي في الرياض.

عشّاق نظريّة المؤامرة سيتساءلون: هل كانت هناك كاميرات نقل حيّ مشترك على خطّ الرياض – أنقرة لاجتماعات تعقد في اليوم نفسه وفي الساعة عينها لبحث الملفّ ذاته في مكانَين؟

الرسائل الانفتاحيّة

لافتة هي الرسائل الانفتاحية التي تضمّنتها تصريحات الأطراف المشاركة في اجتماع لا علاقة له بنقاشات الشرق الأوسط الجديد، بل بجهود سعودية – تركية لحلّ أزمة وراء الحدود، لها ارتداداتها السياسية والأمنيّة والاقتصادية على الأمن والاستقرار الدولي:

– تقول الخارجية السعودية إنّ الرياض تستضيف هذه الاجتماعات بتوجيهات من وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في إطار جهود المملكة لتعزيز الأمن والسلام في العالم. يقول الرئيس التركي إنّه حان وقت إنهاء الصراع، وإنّ أنقرة جاهزة مجدّداً للقيام بأيّ دور يُطلب منها.

– الرئيس التركي إردوغان يقول إنّ زيارة زيلينسكي تأتي في وقت “من المرجّح أن تشهد فيه الديناميكيات الأساسية للحرب في أوكرانيا تغييرات كبيرة”.

– يؤكّد وزير الخارجية الأميركي روبيو أنّ مباحثات الرياض هي الخطوة الأولى لإنهاء حرب أوكرانيا، موضحاً أنّ السعودية تضطلع بدور مهمّ في عملية السلام العالمي، ويشير إلى أنّ “واشنطن ستبدأ العمل على أعلى المستويات للتعاون مع موسكو لإنهاء حرب أوكرانيا”.

– نظيره الروسي سيرغي لافروف أعلن التوصّل إلى تفاهمات على مسار مبرمج وآليّة حوار سيتمّ تشكيلها.

– زيلينسكي يتمسّك بإشراك أوروبا لتكون بجانبه في الحوار، مع أنّ حظوظه في العضويّة الأوروبية والأطلسية صعبة ومعقّدة إن لم نقل مستحيلة.

الحصيلة الأولى لخّصها الوزير روبيو: “إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية في إنهاء النزاع يجب أن تكون هناك تنازلات”. هذا ما ردّدته القيادات السعودية والتركية منذ البداية وقبلت به واشنطن وموسكو في النهاية.

د.سمير صالحة

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.