تاريخ العلاقات بين السعودية ولبنان

67

بقلم مروان اسكندر

بعض المؤشرات تبيّـن ان اهتمام السعودية بالوضع اللبناني يبدو وكأنه حظي باهتمام لم يكن بارزاً حسب المعلوم ان السعوديين لا يحبذون أبداً الاهتمام المفرط، لأنهم محافظون في نظرتهم لتطورات العالم العربي.

اللبنانيون عليهم أن يتفحصوا تاريخهم الحديث الإقرار بأنّ لبنان حظي باهتمام سعودي بالغ الأهمية منذ عام 1938، وبعض المبادرات الأكيدة تفيد عن ذلك.

يجب التذكير بأنّ النظام الملكي العائلي السعودي مستمر لفترة تتجاوز الملكيات التقليدية مثل بريطانيا.

بداية، بعد إقرار “مؤتمر باريس” بعد الحرب العالمية الأولى، وانبثاق الأردن والعراق وسوريا ولبنان في حدودهم المعروفة، كانت السعودية بعيدة عن التدخل في “مؤتمر باريس” الذي أرسى النظام الملكي في الأردن والعراق في أيدي الأمراء الهاشميين الذين نازعوا الملك عبدالعزيز آل سعود على قيادة المملكة، ولم تعارض السعودية اختيار الملك عبدالله لقيادة الأردن، والملك فيصل الأول لتولي الملك والقيادة في العراق. ورغم ابتعاد السعودية عن تشكيلات “مؤتمر باريس” كانت البلد العربي الأول الذي اختار التدخل في محاولة الحد من الهجرة اليهودية الى فلسطين حسب الاتفاق الفرنسي – البريطاني.

أول رسالة رسمية أرسلها عام 1938 الى رئيس الولايات المتحدة كان الملك عبدالعزيز آل سعود الذي أراد تنبيه الاميركيين الى مخاطر تزايد أعداد المهاجرين اليهود الى فلسطين والتداعيات المنتظرة من ذلك.

عام 1938 كانت عام إنجاز اتفاق مع شركة أميركية على إنتاج النفط في السعودية، وحين بلغ الانتاج مستوى يستدعي التصدير، رسمت الشركة الاميركية خط لتصدير النفط عبر الأراضي الفلسطينية التي كانت تشهد تحركات مسلحة بين قوات فلسطينية وقوات يهودية، وقد اشار الملك عبدالعزيز الذي اعلن تحوّل السعودية الى نظام ملكي بقيادة آل سعود عام 1930. الشركة سارعت الى تعديل مسار الخط ليمتد في الاردن وسوريا الى لبنان وصيدا بالذات، وهذا القرار من الملك عبدالعزيز أفسح مجال إنجاز مصفاة للنفط بطاقة 1.5 مليون طن سنوياً، وعمليات التكرير والتسويق سمحت بعد ذلك في تطوير نشاطات التكرير في طرابلس لنفط العراق والنفط السعودي في صيدا، وكلا النشاطين أسهما في تأمين عدد يفوق الألف تقني وفني في المصفاتين.

قبل هذا التطوّر الذي تعزز باجتماع مطوّل ما بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت على متن بارجة توقفت على مقربة من قناة السويس، وهذا الاجتماع أسهم في تقوية العلاقات السعودية – الاميركية لعشرات السنين.

الملك عبدالعزيز استقبل نائب لبناني شهير هو أمين الريحاني، وقضى معه وقت غير قصير في مناقشة الشؤون الاميركية والعالمية، وكان باجتماعهما عام 1924، وبعد ذلك بوقت قصير أفسح الملك عبدالعزيز لشاب لبناني يتمتع بمعارف قانونية وذكاء لماع بأن يصبح المترجم الاساسي لبيانات الملك، وقد التحق فؤاد حمزة عام 1926 بعمله في ديوان الأمير، ووضع كتابين عن السعودية، واختاره الملك عبدالعزيز لتمثيل السعودية كسفير في فرنسا عام 1944، ومن بعد في تركيا، ولسوء الحظ توفي فؤاد حمزة عن عمر 51 سنة قبل إنجاز كتابه الثالث عن الانقلاب في تركيا وفق الحكم الجديد بعد اندثار الامبراطورية التركية.

السعوديون اختاروا لبناني كان يعمل في بريطانيا والولايات المتحدة من أهالي سوق الغرب الاستاذ جميل بارودي الذي مثل السعودية في هيئة الأمم منذ تأسيسها وحتى تاريخ وفاته بعد اغتيال الملك فيصل عام 1974، وفي وقت سابق وقمة إسلامية عاتب رئيس الباكستاني الملك فيصل على تعيينه سفيراً في الأمم المتحدة مسيحي الانتماء، فقال له الملك فيصل إني أنتقي معاوني قياساً على معارفهم وعلمهم وصداقتهم من دون التمييز بين المسلم وغيره.

الأمير عبدالله آل سعود كان الرجل الذي طوّر الحرس الوطني، كما كان ولي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، وكانت علاقاته جيدة مع بعض الأطراف السوريين بمن فيهم الحكام، وبتاريخ اشتداد القتال بين الفئات في لبنان، وتطوّر حركة المحرومين الذي أطلقها الإمام موسى الصدر، زار الأمير عبدالله لبنان وقضى ساعات مع كمال جنبلاط والإمام الصدر، والصورة تظهره في اجتماع مع الزعيمين السياسيين في بعلبك حين حاول التوسّط لإنهاء جولات القتال الطائفي، ولم يوفق في حينه.

بعد تلك المساعي ومساعدة سوريا اقتصادياً أيام الرئيس حافظ الأسد، والتوجّه نحو تمديد ولاية الرئيس أميل لحود لثلاث سنوات، ومعارضة الرئيس رفيق الحريري لهذا القرار، اغتيل الرئيس الحريري في شباط (14 شباط 2005) على يد فريق شمل عماد مغنية ورستم غزالة الذي كان يرأس القوات السورية في لبنان مكان ديتليف ميليس التحري الالماني الذي كشف واضعي قنبلة في ناد ليلي في برلين، وكانوا ليبيين، وقد شارك في عشاء في حزيران 2005 في منزل وزير لبناني غير عازب، وكان معنا ديتليف ميليس الذي قال: “نحن فوق قتلة رفيق الحريري وهم خمسة”. وأشار الى أسمائهم. وقد سألته: كيف لك هذه المعرفة؟ فقال: “لدينا مركز تنصّت في قبرص على الهواتف الخليوية ما بين طهران واسطنبول”.

من المعروف ان مسؤولية رستم غزالة ودوره كانت معروفة، وهو نال جزاءه من دمه حتى وفاته في قريته في سوريا وجد جثته مربوطة بحبل الى قرب المستشفى العسكري في دمشق، والسعوديون كانوا يصرون على بشار الأسد سحب القوات السورية من لبنان بعد مقتل الحريري، وكان يماطل حتى تبلغ من الملك عبدالله رسالة، وكانت مماثلة لرسالة مرسلة الى السلطات الاميركية فجرى الانسحاب اول أيار 2005.

لماذا مآثر السعودية بالنسبة للبنان تستحق هذا الانتباه؟

خصائص المملكة التي تبيّـن أهميتها إقليمياً ودولياً:

1- السعودية تحوز ثاني أكبر مساحة جغرافية في العالم العربي بعد الجزائر، وطقس السعودية تتفاوت فيه الحرارة ما بين المناطق الجبلية والمناطق الساحلية بـ10% مئوية.

2- السعودية أصبحت تعتبر من الدول الـ20 الكبرى اقتصادياً، وكانت سابقاً منذ سنتين أو ثلاث في المركز الـ16 عشر، وأصبحت اليوم تمثل الموقع العاشر، وتنافس حجم إنتاج بريطانيا المتدهور.

3- أصبح للسعودية استثمارات وإنتاجات اقتصادية وتجارية مع أهم الدول العالمية وتشمل الولايات المتحدة، والصين، اليابان، الهند، جنوبي أفريقيا. كما هي في صدارة البلدان الساعية لمنع هبوط العالم في أزمة إنكماشية تضاهي أو تزيد على ما حدث في الولايات المتحدة عام 2006.

4- أحد أسباب اعتراف لبنان بأهمية المساعدات السعودية الاشارة الى ان تنظيف الألغام التي غرسها الاسرائيليون في بيروت عام 1982، ثم باللجوء الى شركة فرنسية مختصة بهذا الامر، ولولا هذا التنظيف لما كانت عمليات البناء في وسط وبقية بيروت ممكنة كما في صيدا.

مروان اسكندر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.