بوتين وأوكرانيا… وإستعادة لغة المنطق

24

بقلم خيرالله خيرالله

في حال استعادت روسيا لغة المنطق واقتنعت بأنّ شنّ حرب على أوكرانيا كان غلطة سياسية كبيرة، في الإمكان الكلام الآن عن مخرج للرئيس فلاديمير بوتين. يحتاج بوتين إلى الخروج من أوكرانيا بعدما حققت القوات الأوكرانية إختراقا في عمق الأراضي الروسيّة في منطقة كورسك.

لماذا كان شنّ حرب على أوكرانيا غلطة كبيرة؟ يعود ذلك إلى سببين أولهما عدم إدراك الرئيس الروسي لمدى القدرات التي يمتلكها جيشه والأخر الجهل بما تمثله أوكرانيا على الصعيدين الأوروبي والدولي. قبل كل شيء، لا يعرف بوتين أنّ «الجيش الأحمر»، وهي التسمية التي تطلق على الجيش الروسي غير مؤهل لمثل هذه المغامرات العسكرية. لا يعرف أيضا أنّ سقوط أوكرانيا يعني العودة إلى مرحلة ما قبل نهاية الحرب الباردة التي يرمز إليها سقوط جدار برلين وإعادة توحيد المانيا.

استولت أوكرانيا على مساحات كبيرة من الأراضي الروسيّة في ما يمكن إعتباره ردّا على إستيلاء روسيا على أراض أوكرانية. بات هناك نوع من التوازن العسكري بين الجانبين في وقت لم تتخلّ روسيا عن عنجهيتها من منطلق أنّ أوكرنيا لا يمكن أن تخرج من دائرة نفوذها. أكثر من ذلك، يعتبر النظام الذي أقامه فلاديمير بوتين منذ العام 2000 أنّ روسيا لا يمكن أن تستعيد أمجاد الإتحاد السوفياتي، وهو حلم بعيد المنال، من دون السيطرة على أوكرانيا.

يمكن للهجوم الأوكراني الذي أدى إلى احتلال أراض روسية، وهذا أمر يحدث للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، فتح الباب أمام تسوية تنهي الحرب الأوكرانيّة. هل في استطاعة بوتين الإقدام على مثل هذه الخطوة التي تعني مصالحة مع المنطق والواقع؟

لا يزال بوتين يرفض الإعتراف بأنّه خسر حرب أوكرانيا بعد أسبوع فقط من بدء هذه الحرب  في 24  شباط – فبراير 2022. كان ذلك عندما فشلت القوات الروسيّة في الإستيلاء على العاصمة الأوكرانيّة كييف. لا يستطيع قبول هذا الواقع الذي فرض نفسه والذي يعني بين ما يعنيه أنّ روسيا دولة عاجزة عن الإنتصار على أوكرانيا ومنعها من الإنضمام في يوم من الأيام إلى الإتحاد الأوروبي وإلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).

يعيش الرئيس الروسي في عالم خاص به. جعله ذلك يحوّل بلده إلى بلد معزول عن محيطه الأوروبي في حين كان قادرا على جعل روسيا جزءا من هذا المحيط بدل أن تكون تحت رحمة الصين والسلاح الكوري الشمالي والإيراني، كما هي عليه الحال الآن.

يعود ذلك، قبل كلّ شيء إلى أن بوتين لم يستطع منذ البداية فهم معنى أوكرانيا بالنسبة إلى أوروبا كلها وبالنسبة إلى الولايات المتحدة أيضا. لم يفهم أن أمن أوكرانيا جزء لا يتجزّأ من أمن كلّ دولة أوروبيّة وأن تهديدها يشير إلى تهديد لأوروبا.

يتحدث الآن ديمتري ميدفيديف نائب رئيس المجلس الأمني الروسي عن «أن الدبابات الروسية ستدخل إلى برلين» مثلما سبق لها أن دخلتها في نهاية الحرب العالميّة الثانية. يدلّ ذلك على أن ميدفيديف لا يعرف ما هي المانيا ولا الأبعاد المترتبة على مثل هذا النوع من الكلام الفارغ. يبدو واضحا أن كبار المسؤولين الروس، من بينهم ميدفيديف الذي شغل موقع رئيس الجمهورية بين 2008  و 2012، ثم رئيس الوزراء بين 2012 و  2020، فقدوا أعصابهم. لا يستوعب هذا المسؤول الكبير أن أوروبا كلّها بما في ذلك ألمانيا لا تستطيع الوقوف مكتوفة أمام ما فعلته روسيا في أوكرانيا.

يظهر من ردود الفعل الروسيّة أنّ بوتين لا يستطيع التراجع ولا البحث عن مخرج من أوكرانيا. يعتبر الموقف الذي اعتمده الرئيس الروسي مستغربا، لكنه موقف قابل للفهم إذا أخذنا في الإعتبار أنّ عقله لا يزال أسير عقدة الإتحاد السوفياتي. جعلته عقدة الإتحاد السوفياتي عاجزا عن استيعاب أن السلاح الروسي متخلف وأنّ أوكرانيا ستكون قادرة على صد الهجوم الذي استهدف كييف ابتداء من 24  شباط – فبراير 2022.

كان كافيا تحديد واشنطن يوم الهجوم الروسي على أوكرانيا، قبل أن يبدأ هذا الهجوم، كي تعي روسيا أنّ أوراقها باتت مكشوفة وأنّ لا أمل لها بالإنتصار في حرب تحولت مع الوقت إلى حرب استنزاف في بلد يتراجع عدد سكانه سنويا.

عاجلا أم آجلا، سيترتب على بوتين التراجع والإعتراف بأن الإتحاد السوفياتي جزء من الماضي وأن أمجاده لم تكن يوما أمجادا بمقدار ما كانت محاولة لفرض نظام متخلف على شعوب تريد الحريّة. لا يوجد دليل على ذلك أكثر من دول أوروبا الشرقيّة ودول البلطيق الثلاث (استونيا ولاتفيا وليتوانيا) التي خرجت من دائرة نفوذ الإتحاد السوفياتي مع  انهيار جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989.

لن يستطيع فلاديمير بوتين إعادة عجلة التاريخ إلى خلف. أمامه فرصة لإلتقاط أنفاسه والإعتراف بالخطأ الذي ارتكبه عندما قرّر غزو أوكرانيا وفرض أمر واقع على الأرض الأوكرانية وفي أوروبا. كلّ ما يستطيع عمله هو الإستماع جيدا لكلّ كلمة تصدر هذه الأيّام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي قال حديثا: «كلما زادت الضغوط على روسيا، التي  أتت بالحرب إلى أوكرانيا، كلما صار السلام قريبا».

خيرالله خيرالله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.