بعد التحوّل السّوريّ: مفاجأة تركيّة – مصريّة في ليبيا؟ (2)
بقلم د.سمير صالحة
«اساس ميديا»
لماذا تتقارب أنقرة والقاهرة في ليبيا؟
تعود أجواء سيناريو التعاون التركي- المصري في ليبيا إلى ما بعد الانفتاح السياسي بين البلدين ورغبتهما في تبنّي طرح جديد خلال التعامل مع الملفّ الليبي، منسجم مع خيار التعاون والتنسيق، للمساهمة في عدم إطالة عمر الأزمة بين الليبيين. كانت الخطوة الأولى باتّجاه التواصل مع كلّ شرائح المجتمع الليبي وتطوير العلاقة معها، وسط مقاربة شاملة تنظر إلى ليبيا ككلّ من دون تمييز بين شرقها وغربها، وتدعم الاستقرار والتوافق السياسي.
لماذا تتقارب أنقرة والقاهرة في ليبيا؟ ولماذا يتراجع البعض هناك عن تصلّبه في تجاهل الواقع السياسي المحلّي والإقليمي، الذي يستدعي قراءة جديدة مغايرة في طرح المواقف وتحديد الخيارات؟
تقوم القناعة التركية المصرية الجديدة في ليبيا على ضرورة الاستثمار في الفرص الاستراتيجية السانحة لهما اليوم، بما يعزّز دورهما كوسيطين فاعلين في جهود تسوية الأزمة، التي طال أمدها وتستدعي ولادة قناعات سياسية جديدة على مستوى أطراف النزاع.
تعوّل أنقرة على موقعها ودورها في المعسكر الغربي والدعم الأميركي لها في ليبيا. وتراهن القاهرة على الدعم العربي لها هناك كلاعب أساسي مؤثّر في لعبة التوازنات الحسّاسة في القارّة السمراء. هذه المعادلة بحدّ ذاتها كافية لتشكّل قوّة دفع تركية مصرية في التعامل مع طرح جديد لملفّ الأزمة الليبية.
استغلال فرصة وصول ترامب
مع وصول دونالد ترمب إلى السلطة رسمياً في الولايات المتحدة، يبدو أنّ أنقرة والقاهرة بحكم علاقاتهما مع الرئيس الأميركي الجديد، عازمتان على استغلال هذه الفرصة لكسب دعم الأخير في تسريع عجلة الحلحلة السياسية والأمنيّة في ليبيا.
الغامض هو: متى وكيف سيعلن ترامب موقفه؟ وما هي الضمانات الإضافية التي قد يطالب بها كلا الطرفين التركي والمصري مقابل حصولهما على الدعم الأميركي المطلوب في ليبيا؟ هل يكتفي بإبعاد إيران وروسيا عن المنطقة؟ وهل ترغب القيادات التركية والمصرية بلعب مثل هذا الدور؟
نجاح أنقرة والقاهرة على خطّ طرابلس الغرب – بنغازي يتطلّب تحقيق تقدّم جوهري في التسوية، ويتوقّف على قدرتهما على إقناع اللاعبين المؤثّرين في ليبيا باعتماد خارطة طريق يعدّانها، تكون مقنعة وعمليّة وواقعية لإنهاء الانقسام الليبي.
طبيعة التوازنات المحلّية والإقليمية على الساحة الليبية اليوم، إلى جانب مصالح بعض الأطراف العربية والغربية، تسهّل من تقدّم سيناريو تركي- مصري من هذا النوع، شرط أن يأخذ بعين الاعتبار التوازنات القائمة وضرورة حماية مصالح البعض هناك. تركيا ومصر ستكونان في طليعة المستفيدين من مسار الحلّ في ليبيا لأنّه سيرقى إلى مستوى واقع إقليمي جديد يمنحهما الكثير من الفرص الاستراتيجية في شمال إفريقيا وشرق المتوسّط عند إنجاز المهمّة.
في إطار الحسابات الاقتصادية أيضاً، هناك شبه تفاهم تركي- مصري على ضرورة استغلال فرص توقيع العشرات من عقود إعادة الإعمار وإنشاء البنى التحتية بالتنسيق مع القيادات الليبية دون الدخول في مواجهة، لا سيما مع الانتعاش الكبير في تلك العملية منذ تأسيس صندوق إعادة إعمار ليبيا المؤثّر في بنغازي والوزارات الليبية المعنيّة في طرابلس الغرب.
بعد نجاح الوساطة التركية على خطّ إثيوبيا– الصومال، توجّهت الأنظار نحو مساهمة تركية مصرية في حلّ الأزمة السودانية بالطرق الدبلوماسية. لكنّ المتوقّع الآن هو دخول القاهرة على خطّ الوساطة بين أنقرة من جهة واليونان وقبرص اليونانية من جهة أخرى، لفتح الطريق أمام تفاهمات في مسائل الاستفادة من غاز شرق المتوسّط وتسوية الخلافات بشأن الحدود البحرية بين دول شرقي الحوض.
إذا ما كانت تقارير الأمم المتحدة ترى أنّ التدخّلات الخارجية هي في طليعة أسباب المعضلات التي تمنع التوصّل لتوافقات نهائية في ليبيا، وأنّ إنهاء الانقسام هناك ليس على رأس أولويّات المجتمع الدولي في الوقت الحالي، فقناعة القيادات الليبية بقبول الدورين التركي والمصري مسهّلَين قادرين على المساهمة في تسوية الخلافات، بدأت تتحوّل سريعاً إلى فرصة لدعم الشعب الليبي كي يوحّد مؤسّسات الدولة والانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة وسط حوار بنّاء يريد إنهاء المعاناة.
د.سمير صالحة
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.