برّي والرّئاسة: Now or Never
بقلم كلير شكر
«اساس ميديا»
ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية، وصار الثنائي الشيعي، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أكثر استعجالاً من غيره لإنجاز الاستحقاق، فيما تضع المعارضة “رِجلاً على رجل”، وتفكّر مليّاً في كيفية استثمار الحدث السوري، الواقع عليها بمنزلة انتصار تاريخي، وتبحث عن مخرج لتأجيل الانتخابات.
بالتوازي، كان سفراء اللجنة الخماسية يثنون على إصرار الرئيس برّي على إتمام الانتخابات بموعدها، أي في التاسع من كانون الثاني المقبل، في مسار مناقض تماماً لما أوحى به مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لـ”الشرق الأوسط”، حين دعا اللبنانيين إلى الانتظار شهرين أو ثلاثة لإتمام الاستحقاق. فهل عاد الأخير عن رأيه؟
في الواقع، حفلت الأيام والساعات الأخيرة بزحمة لقاءات واتصالات بين القوى السياسية، في محاولة لإحداث خرق في الجدار الرئاسي المقفل على شغور صار عمره أكثر من سنتين. بيد أنّ تلك الاتصالات، كما تؤكّد معلومات “أساس”، لا تزال دون القدرة على ردم الهوّة وتقريب المسافات، لا سيما بين عين التينة ومعراب، حيث المسافة الأبعد والأطول.
تشير المعطيات إلى أنّ خارطة المتغيّرات الرئاسية، بعد اتّفاق وقف إطلاق النار الذي حرّك المياه الراكدة، وسقوط النظام السوري الذي قد يحدث بعض التموضعات على المستوى اللبناني، باتت على الشكل الآتي:
– يُظهر إصرار رئيس مجلس النواب على إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد، أي التاسع من كانون الثاني، الأمر الذي جدّد تأكيده أمام سفراء الخماسية، أنّ الرئيس برّي لا يناور، بعدما تنازل عن شرطين أساسيَّين كان يضعهما معبراً إلزامياً لإجراء الاستحقاق، وهو رعاية حوار يسبق الانتخابات، والامتناع عن تكريس قاعدة الدورات الانتخابية المفتوحة. وقد أبلغ السفراء أنّه لن يقفل الجلسة إلّا بعد انتخاب رئيس، “ثمّ احكموا على من يلتزم بتعهّداته”.
مسعد بولس يوضح
يُفهم من ذلك أنّه يتصرّف من منطق Now or Never، بمعنى أنّ ما يمكن تحقيقه في هذه اللحظة، وتحديداً قبل وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سيصعب بلوغه فيما بعد. وهذا ما ألمح إليه مسعد بولس في كلامه عن تأجيل الاستحقاق، وهو ما يدفع المعارضة إلى البحث عن مخارج تتيح لها ترحيل الانتخابات إلى ما بعد التسليم والتسلّم في البيت الأبيض… وما قد يسبقها من تطوّرات كبيرة في الإقليم.
تفيد المعلومات في هذا السياق أنّ الرئيس برّي تقصّد في جلسته مع سفراء الخماسية إبلاغهم فحوى حديثه مع مسعد بولس في اتّصالهما الهاتفي، الذي ورد فيه أنّ الأخير لا يرفض قطعاً انتخاب رئيس في التاسع من كانون الثاني. كما أنّ السفيرة الأميركية ليزا جونسون أعربت في الجلسة مع رئيس المجلس عن رغبة إدارتها في إتمام الاستحقاق في أسرع وقت ممكن.
– في الوقت الذي يضغط فيه برّي لإنجاز الاستحقاق، تلجأ المعارضة، وتحديداً “القوات”، إلى التروّي، لا بل البرودة في مقاربتها، لاعتبارين أساسيَّين:
1- الخشية من تهريبة يعدّ لها رئيس المجلس من خلال الإتيان برئيس وسطيّ لا يتناسب وأجندتها السياسية، وقد صار القرار 1701 بمندرجاته التنفيذية هو حجر أساس هذه الأجندة.
2- الرغبة في استثمار الانقلاب السوري، لبنانياً، من خلال الرهان على عامل الوقت لتوظيف المتغيّرات الإقليمية المتسارعة، لمصلحة هذا الفريق. مع ذلك، تفيد المعلومات أنّ المعارضة مُصابة بالارتباك جرّاء التطوّرات، فهي تشعر بنشوة الانتصار السوري الذي يرفع من منسوب نفوذها لبنانيّاً بفعل تراجع نفوذ “الحزب” وحلفائه، لكنّها لا تزال عاجزة عن “تقريش” هذا الانتصار على الشطرنج الرئاسيّة لاستحالته مكاسب عملانية. ولكن كيف؟ توازنات البرلمان اللبناني ثابتة وعصيّة على التغيير إلا في حالات نادرة تطال بعض النواب الذين قد يعيدون تموضعهم على شكل استدارات، في ضوء المتغيّرات. لكنّ قلب المشهد رأساً على عقب ضرب من الجنون. وبالتالي، أقصى ما يمكن للمعارضة تحقيقه هو تثبيت شراكتها في تحقيق وصول رئيس وسطيّ. ولهذا لا تزال “القوات” في طور دراسة كلّ الاحتمالات التي تنتظرها، والتي قد تكرّسها.
جنبلاط يلتزم الموقف السعودي..
– لا يزال الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بيضة القبّان في ترجيحه كفّة على كفّة. وبالتالي إذا انضمّ إلى خندق حليفه وصديقه الرئيس برّي، يصير مشروع إنجاز الاستحقاق في التاسع من كانون الثاني، قابلاً للتحقيق، خصوصاً أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “يستقتل” لإبرام هذه الصفقة مع برّي.
لكن يبدو أنّ التطوّرات الكبيرة التي شهدها لبنان وسوريا، تدفع جنبلاط إلى التحصّن بالهدوء، الأقرب إلى التمايز، والوقوف على خطّ الوسط، خصوصاً أنّه سلّف الثنائي الشيعي الكثير من المواقف الطيّبة طوال فترة العدوان الإسرائيلي وحرب الإسناد، الأمر الذي يساعده على عدم الذوبان في مشروع برّي اذا لم يكن على قاعدة التوافق مع المعارضة.
أكثر من ذلك، تقول المعلومات إنّ جنبلاط سمع خلال زيارته الأخيرة لباريس أنّ الإدارة الأميركية الجديدة لن تهضم خيار رئيس وسطي في لبنان، وبالتالي لن تقدّم له الدعم، وتفضّل الخيارات الأكثر التصاقاً بالمعارضة لناحية الالتزام بالقرار 1701. هذا مع العلم أنّ القطب الدرزيّ سبق له أن أبلغ من التقاهم أنّه لن ينجرّ إلى اتفاق رئاسي، محليّ، غير محصّن بغطاء دولي وإقليمي، وتحديداً سعوديّاً.
هوكستين ضامن
في الخلاصة، يقوم الرئيس بري بمجهود استثنائي لإنجاز الاستحقاق في موعده المحدّد، ليفرض أمراً واقعاً على قاعدة “عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة”. فالمضمون راهناً قد لا يتوافر في المستقبل، بسبب الخشية من فرض رئيس معادٍ للثنائي الشيعي.
يتسلّح الرئيس برّي بعدم ممانعة الإدارة الأميركية الحالية إجراء الانتخابات في موعدها، ولذلك دعا الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى حضور الجلسة الانتخابية، كضامن لنتيجتها، خصوصاً أنّ هناك وجهة نظر دبلوماسية تقول إنّ انتخاب رئيس قبل انتهاء مهلة الستّين يوماً لاتفاق وقف إطلاق النار قد يساعد على إطلاق المرحلة الثانية من الاتّفاق إذا ما جرى انتخاب رئيس ملتزم بالقرار الدولي. أمّا تمديد حالة الشغور فقد يفتح باب احتمالات تعريض الاتّفاق للاهتزاز ويسمح لإسرائيل بالمناورة من جديد.
ثمّة من يكشف أنّ رئيس المجلس يفضّل أن تأتي طبخة الرئاسة نتيجة اتفاق مع المعارضة، وتحديداً “القوات” و”الاشتراكي” بطبيعة الحال، لكي لا يكون العهد الجديد محاصراً على المستويين الإقليمي والدولي… وهنا يُقال إنّ في جيب الرئيس برّي أرانب كثيرة غير محروقة في سوق الترشيحات قد تسهّل هذا التقاطع. فهل ينجح في ذلك؟ أم “ربيع دمشق” سيطيل “الشتاء” في قصر بعبدا؟
كلير شكر