بركات لـ «الشرق»: لبنان ما زال بحاجة لصندوق النقد اتفاقاً ومشورةً رغم استقرار سعر الصرف

100

كتبت ريتا شمعون:

الشرق – تؤكد المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي ومديرة ادارة الإتصالات في صندوق النقد الدولي السيدة جولي كوزاك أنه بعد مرور عامين على التوصل للإتفاق على مستوى الموظفين لم يتم إحراز تقدم يذكر في عملية التنفيذ، فيما الصندوق لا يزال مستعدا للتعامل مع السلطات اللبنانية، لكن السؤال، هل ما زال لبنان محتاجا للإتفاق مع صندوق النقد الدولي في ظل العجز السياسي الداخلي والإنقسام الوطني والمواجهات العسكرية مع اسرائيل جنوبا التي أضيفت الى لبنان جراء الحرب بين اسرائيل والفلسطينيين في غزة؟

كبير الإقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في بنك عودة الدكتور مروان بركات يؤكد في حديث لجريدة «الشرق» أن لبنان ما زال بحاجة الى اتفاق شامل مع صندوق النقد رغم الاستقرار النقدي النسبي الذي شهدته البلاد خلال ما يقارب العام، أي منذ شهر اذار2023. نحن نعتقد انه لا مخرج للأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة التي يعاني منها لبنان من دون اتفاق شامل مع صندوق النقد يؤمن تدفق مداخيل بالعملات الأجنبية الى لبنان أكان من خلال صندوق النقد مباشرة أو من خلال الدول المانحة فيما بعد والتي لن تمد يد المساعدة إذا لم يكن هنالك مراقب دولي للإصلاحات ألا وهو صندوق النقد.

في هذا السياق، يتابع بركات، إن من شأن ابرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي أن يكون المدخل لوضع حدًّ للأزمة الاقتصادية والمالية التي ترزح تحتها البلاد منذ أربع سنوات ونصف وأن يضع البلاد على سكّة النمو الاقتصادي الإيجابي والمستدام وأن يحد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الأسر اللبنانية بشكل عام.

هذا ورغم خيبة امل صندوق النقد الدولي في ما يخص الوتيرة البطيئة جداً للإصلاح، لا سيما على صعيد التشريع المطلوب لإبرام اتفاق نهائي مع مجلس إدارة الصندوق وذلك بعد الاتفاق الاولي منذ سنتين، الا اننا لا ننعى الاتفاق مع الصندوق الذي من المفترض ان يأتي وفده من جديد في نهاية النصف الأول من العام الحالي لإطلاق مشاورات المادة الرابعة، على امل ان يكون قد تحقق في الأشهر المقبلة خرق ما على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي والاصلاحي. يجدر الذكر ان تقرير المادة الرابعة الأخير لصندوق النقد الدولي حول لبنان جاء بنّاءً إلى حدّ لافت. فمن ناحية، قدّم التقرير وصفاً وافياً للأزمة ونتائجها، كما سلّط الضوء على المسؤوليات والتحديات بشكل مسؤول. من ناحية أخرى، طرح التقرير بشكل موضوعي متطلبات الخروج من الأزمة، ولا سيما من خلال توصياته بشأن السياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاحات المصرفية المطلوبة.

كما يجدر الذكر ان الصندوق نوه أخيراً بالخطوات المتخذة من قبل حاكمية مصرف لبنان الجديدة اكان على صعيد عدم تمويل الدولة اللبنانية (بالليرة وبالعملات) او على صعيد الحفاظ على ما تبقى من احتياطيات بالعملات الأجنبية لديه.

وحول تقييمه للوضع الإقتصادي الراهن يقول بركات، جاءت الأوضاع الاقتصادية والنقدية خلال الفصل الأول من العام 2024 على مرآة الظروف الاقتصادية في الفصل الرابع من العام 2023،  أي انتكاس الاقتصاد الحقيقي نتيجة التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحرب على الحدود الجنوبية اللبنانية والتي نتج عنها ركود في النمو، واستقرار الوضع النقدي في ظل استقرار سعر صرف الدولار مقابل الليرة على الرغم من التداعيات السلبية للحرب، وشبه التوازن على صعيد المالية العامة في ظل احتواء عجز الموازنة رغم عامل التأثير المعاكس لزيادة أجور موظفي القطاع العام.

وأضاف أن التقلص الذي شهدته مختلف مؤشرات القطاع الحقيقي خلال الأشهر الستة الماضية أي منذ اندلاع الحرب، إنما يثبت نظرية الركود الاقتصادي. من ضمن هذه المؤشرات، نذكر نشاط البناء حيث انخفضت تراخيص البناء نسبته 26%، ونشاط المطار مع انخفاض عدد المسافرين (-11%) والصادرات عبر مطار بيروت (-13%)، وتراجع النشاط السياحي بشكل عام كما يستدل من خلال انخفاض عدد السياح بنسبة 24%.

وتابع بركات، لا شك ان الاقتصاد اللبناني هو من بين الاقتصادات الإقليمية الأكثر تضرراً من الحرب المستجدة وذلك من خلال التأثيرات المباشرة وغير المباشرة. فتبرز الآثار المباشرة للحرب في جنوب لبنان والتي أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة في جميع أنحاء المنطقة الحدودية بشكل عام. اما الآثار غير المباشرة فترتبط بتداعيات الوضع الأمني غير المستقر على البلاد ككل، مما يؤثر على إجمالي الاستثمار وسط غموض التوقعات وحال الترقب من ناحية، والتداعيات على أداء القطاع السياحي من ناحية أخرى والذي كان قد بدأ يشهد إشارات انتعاشً ملحوظ ما قبل الصراع.

نحن نقدّر العائدات السياحية الضائعة خلال فترة ستة أشهر منذ اندلاع الصراع بنحو مليار دولار بالاستناد إلى تراجع عدد السياح بنسبة 24% ومعدل إنفاق السائح الواحد في لبنان بنحو 3000 دولار. أما في ما يخص المجاميع الاستثمارية، فإنّ نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي تقدّر حالياً بأقل من 10%، وهو أحد أدنى مستوياتها في تاريخ لبنان المعاصر وفي الأسواق الناشئة عموماً.

على صعيد الوضع النقدي، يقول بركات، كان لافتاً حفاظ الليرة اللبنانية على استقرارها مقابل الدولار خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة بحيث حافظ سعر الصرف على89500 ل.ل. للدولار الواحد، بينما واصل مصرف لبنان تعزيز احتياطياته من النقد الأجنبي والتي سجّلت نمواً تراكمياً مقداره 1.0 مليار دولار منذ التغير الحاصل في قيادة مصرف لبنان في نهاية تموز 2023. يجدر الذكر ان التضخم السنوي والذي كان قد وصل إلى 366% في آذار 2023، انخفض إلى 36% في اذار 2024. ولما كان سعر الصرف قد بقي مستقراً تقريباً خلال العام الفائت، فإن التضخم بالليرة اللبنانية يقابله تضخم مماثل بالدولار خلال الفترة المغطاة، ما يشكل ضغوطاً اضافية على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأسر.

وأشار بركات، الى أن أبرز أسباب استقرار سعر صرف الدولار في السوق المحلية ترتبط بشبه التوازن في المالية العامة مع احتواء العجز المالي بين نفقات وايرادات القطاع العام وتأني مصرف لبنان في تمويل الدولة إضافة الى تدخله في السوق شارياً الدولار كلما رأى الظرف مؤاتياً في سبيل تعزيز احتياطه بالعملات الأجنبية. الا انه يجدر الذكر ان ميزانية مصرف لبنان النصف شهرية الصادرة هذا الأسبوع لنهاية شهر اذار أظهرت انخفاض في الاحتياطي خلال النصف الثاني من اذار بقيمة 37 مليون دولار وهي المرة الأولى التي ينخفض فيها الاحتياطي منذ تسلم القيادة الجديدة حاكمية مصرف لبنان. ويعود هذا التراجع الى مفعول إقرار زيادة رواتب القطاع العام إضافة الى عامل تراجع سعر صرف اليورو مقابل الدولار خلال النصف الثاني من شهر آذار.

وختم بركات قائلاً، يبقى الامل ان تشرف الحرب المستجدة جنوبا على نهايتها في أقرب وقت ممكن لتعزيز التدفقات بالعملات الأجنبية الى السوق المحلية، إضافة الى إطلاق عملية الإصلاح المنشودة وذلك من اجل تحصين السياسة الجديدة لمصرف لبنان الرامية الى الحفاظ على الاستقرار النقدي من ناحية وحماية ما تبقى من احتياطيات في البنك المركزي من ناحية أخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.