بركات لـ «الشرق»: الإصلاحات شرط أساسي للإفادة من الفرصة التاريخية السانحة
كتبت ريتا شمعون
الشرق – الإصلاحات تلك النصيحة التي يطالب بها المجتمع الدولي، وبرفضها أهل السياسة في لبنان، لكن قد يكون إنتخاب العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام رئاسة الحكومة مقدمة لتنفيذ هذه الإصلاحات، كونهما يصرّان على إعادة بناء الدولة، وبناء الدولة لا يكون إلا بتنفيذ الإصلاحات. من هذه الزاوية بالذات، ينبغي التوقف أمام كلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي قال: إنها فرصتكم الأخيرة ومفتاحها الإصلاح.. ومن هذه الزاوية يبدأ الدكتور مروان بركات كبير الإقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في بنك عودة حديثه لجريدة «الشرق» قائلاً: لا شك ان الخرق المسجل على المستوى السياسي عقب الانتخابات الرئاسية والاستشارية الملزمة قد ساهم في تعزيز وتحسين الافاق الاقتصادية والمالية بشكل ملموس، خصوصاً مع فتح صفحة جديدة مع المجتمع الدولي عامة وبلدان الخليج خاصة والزيارة اللافتة لوزير خارجية السعودية الى لبنان وذلك لأول مرة في 15 سنة. وقد انعكس هذا المناخ على الأسواق المالية مع تسجيل 300 مليون دولار تحويلات من العملات الى الليرة في سوق القطع وارتفاع سوق الأسهم بما يناهز 30% وارتفاع أسهم اليوروبوند بما يقارب 80%. وبدأ المستثمرون العرب والأجانب وضع لبنان على الخارطة الاستثمارية في حين تتطلع البلاد الى المساعدات الدولية المنشودة والتي بدورها ترتبط بتنفيذ لبنان للإصلاحات التي طال انتظارها للإفادة من الفرصة التاريخية السانحة. وأضاف بركات، أن هذه الإصلاحات عديدة أهمها تلك المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي والتي تشكل شرطاً مسبقاً لأي اتفاق نهائي مع الصندوق علماً ان الدول المانحة تشترط انجاز اتفاقاً نهائياً مع الصندوق الذي يشكل المراقب الدولي للإصلاح ما يعتبر حافزاً لتحقيق المساعدات الخارجية الى لبنان. يذكر انه من أصل 9 إصلاحات مطلوبة من قبل الصندوق، هنالك 3 تحققت فيما ما زالت 6 عالقة، اهمها المرتبطة بالكابيتال كونترول وإعادة هيكلة الدين وإعادة التوازن المالي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. على المستوى النقدي، يقول بركات، هناك حاجة إلى استقرار نقدي جذري لتحقيق التعافي الاقتصادي الشامل. هناك حاجة لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان من خلال سياسة نقدية صارمة اضاقة الى اللجوء إلى المساعدات الخارجية. مشيرا الى أن سد الفجوة واستعادة الثقة، يتعين على البلاد أن تلجأ إلى الوعود الخارجية المأمولة. المطلوب هو تأمين تمويل من صندوق النقد الدولي لعشرة أضعاف حصة لبنان البالغة 880 مليون دولار (8.8 مليار دولار) ليتم استعمالها على أساس فصلي ابتداءً من عام 2026. ويمكن أن يتبع ذلك تدفق لاحق للودائع الأجنبية والعربية إلى مصرف لبنان. أما على المستوى المصرفي، يواجه القطاع المالي أزمة ذات طبيعة نظامية، ناجمة عن السياسات العامة التي اعتمدتها الدولة بشكل رئيسي. وتتطلب الأزمات النظامية أساليب متميزة تتجاوز تلك المستخدمة في الأزمات العادية أو أزمات المصارف الفردية. وعلى هذا النحو، تبرز الحاجة الملحة إلى اعتماد خطة إنقاذ اقتصادية ومالية شاملة تعتمد على نهج نظامي للحلول، يكون مناسبًا لإعادة تأسيس دور القطاع المالي باعتباره الوسيط المالي الرئيسي في البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يحد من الاقتصاد النقدي المتفاقم، وضمان خلق القيم الاقتصادية المضافة التي تهدف إلى دعم النهضة الاقتصادية في لبنان. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة لخطة حكومية بدعم من صندوق النقد الدولي قادرة على المساعدة في إعادة بناء الثقة في القطاع المالي، وهو شرط أساسي لبدء التعافي الاقتصادي السريع في لبنان بشكل عام. وفي حين أن أي خطة يجب أن تتضمن بلا شك تضحيات القطاع المصرفي، إلا أنها يجب أن تأخذ في الاعتبار القدرات المتاحة للقطاع المصرفي والبنك المركزي، بدلاً من إثقال كاهل القطاع المالي بحلول خارجة عن القدرات الحالية والمستقبلية. معتبرا أن إعادة التوازن المصرفي هي من مهام السلطات العامة، وعلى وجه الخصوص السلطتين التنفيذية والتشريعية (الحكومة والبرلمان). وينبغي أن تكون المصارف مستعدة لأن تتعاون مع الدولة التي ينبغي لها بنفسها أن تقود نهج إعادة الهيكلة المنشودة بشكل عام. على مستوى القطاع العام، يؤكد بركات، أن التصحيح المالي يشكل أهمية بالغة، فلا يستطيع لبنان الحفاظ على استقراره النقدي الذي تحقق خلال العامين الماضيين دون إجراء إصلاحات جذرية في القطاع العام. وليس أمام الدولة خيار سوى خفض احتياجاتها التمويلية المالية في المستقبل. ويجب أن يأتي التصحيح المالي من خلال إعادة هيكلة القطاع العام والتقشف في الإنفاق، وتحسين تعبئة الموارد، وسد فجوة التهرب الضرائبي، وإصلاح قطاع الكهرباء» هذا يتطلب بناء محطات توليد الطاقة اللازمة، وتأمين الكهرباء على مدار 24 ساعة في المدى المنظور، وتقليص الخسائر الفنية وغير الفنية، وهو ما سيساعد مؤسسة كهرباء لبنان على تحقيق التوازن». اما على صعيد الإيرادات، فإن المطلوب هو تعزيز تعبئة الموارد، بمجرد أن تبدأ الحكومة العتيدة بجدية في مكافحة الفساد. بالتوازي مع ذلك، هناك حاجة إلى سد ما يقرب من نصف فجوة التهرب المالي، أي ما يعادل 1.0% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا على مدى فترة السنوات الست القادمة. ان نسبة الإيرادات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ اليوم أقل من 20% في لبنان مقابل 30% في الأسواق الناشئة و40% في البلدان المتقدمة. يعني ذلك ان هناك مجال لزيادة تعبئة الموارد ببضع نقاط مئوية من خلال مكافحة التهرب الضريبي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض في رصيد العجز العام ما قد يمكن البلاد من الحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 80٪ بعد إعادة هيكلة القطاعين العام والمالي.
على المستوى الخارجي، يرى بركات، أن نموذج مواصلة العجز التجاري الكبير الذي يعتمد على التدفقات المالية الكبيرة ليس مستداما. والأولوية هنا هي إعادة تحفيز حركة الرساميل الوافدة وخفض الواردات وتعزيز الصادرات. ومن الضروري أن تتخذ الدولة تدابير من شأنها تعزيز الإنتاج المحلي على حساب الواردات، أي تحفيز السلع البديلة للاستيراد والمنتجات الموجهة للتصدير في محاولة لتقليص العجز التجاري في لبنان. ومن المهم في هذا السياق تحسين وتوسيع نطاق برامج دعم الصادرات وإدخال برامج حوافز جديدة تستهدف القطاعات ذات القيمة المضافة العالية في لبنان. ويعتمد تشجيع الإنتاج المحلي على رفع بعض الرسوم الجمركية لحماية الانتاج المحلي، وإعطاء حوافز ضريبية للمنتجين المحليين، وتسويق الإنتاج المحلي في الخارج مع التركيز على المنتجات ذات القيمة المضافة العالية. اما على مستوى القطاع الحقيقي، يوضح بركات، يعد تحفيز النمو وخلق فرص العمل أمرا أساسيا لتلبية المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية للبنانيين بشكل عام. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 40% منذ اندلاع الأزمة في عام 2019. ويشير التحليل الدقيق لمتطلبات القطاع الحقيقي والمالي إلى أن تحفيز نمو الناتج أمر ممكن من الناحية التقنية في المستقبل المنظور، ولكنه يتطلب بيئة سياسية داعمة وإطلاق إصلاحات هيكلية من شأنها أن تساعد في تحفيز الطلب على السلع والخدمات، وتعزيز الميزات التنافسية للاقتصاد اللبناني إلى جانب تعزيز عامل الثقة العام. لافتا الى ان شروط هذا التعافي المأمول تكمن بالتأكيد في الإرادة السياسية الداخلية خلال العهد الجديد، وإعطاء الأولوية للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وأجندة إصلاح جذرية، وصحوة ضمير لدى العملاء الاقتصاديين المعنيين بشكل عام. والمفتاح هنا هو تحفيز الطلب الخاص، وخاصة الاستثمارات الخاصة، علماً أن الاستثمار له الأثر الأكبر على النمو من خلال التأثير المضاعف للاستثمار. ويحتاج لبنان إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً انطلاقاً من أدنى مستوى له منذ عقود والذي يقل عن 10% اليوم. ومن شأن نمو الاستثمار أن يعزز عامل العمالة في النمو الذي يدعو إلى خلق فرص عمل لاستيعاب أكثر من 30 ألف لبناني ينضمون إلى القوى العاملة كل عام. واليوم، يبرز الأخير بين القضايا الملحة، علماً أن معدل البطالة تضاعف خلال نصف العقد الماضي ليتجاوز 30%. ويتطلب تحفيز الاستثمار الخاص تحسين بيئة الأعمال من خلال خفض تكاليف التشغيل، وتحسين سهولة ممارسة الأعمال في لبنان، إضافة الى ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني المنشود بشكل عام.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.