بداية نهاية “الليكود” الإسرائيليّ!

56

بقلم عماد الدين أديب

«أساس ميديا»

يتعيّن علينا أن ندرس بعناية الإجابة على أربعة أسئِلة رئيسية حول اليمين الإسرائيلي الذي يمسك بمفاصل الدولة العبرية والحكم في العقل السياسي والقرار النهائي في مسألتَي الحرب والسلام.

الأسئلة الأربعة التي يجب أن نطرحها هي الآتية:

– أولاً: لماذا نما وتصاعد دور اليمين؟

– ثانياً: لماذا يبدو أنّ المزاج السياسي للناخب الإسرائيلي يميل نحو اليمين؟

– ثالثاً: لماذا تحوّل اليمين التقليدي إلى المزيد من التشدّد، ووصل حدّ دخوله في ائتلاف وتحالف مع اليمين الديني المتشدّد؟

– رابعاً: ما هو مستقبل الوسط واليسار الإسرائيليَّين؟ وبالتالي ما هو مستقبل تيّار السلام الذي يؤمن بالتعايش مع الفلسطينيين عبر مشروع الدولتين؟

حتى نعرف الإجابة على هذه الأسئلة نعود إلى نقطة البدء: أُسِّس حزب الليكود عام 1973 عندما اندمج حزب حيروت والحزب الليبرالي في تكتّل واحد كان وقتها يمين وسط التيار السياسي وينافس حزب العمل.

يقدَّر أعضاء الحزب قرابة 150 ألف عضو. وبعد الائتلاف الأخير مع الأحزاب الدينية، بات يمثّل الأغلبية النشطة في الكنيست الحالي.

نتنياهو وفلسفة الحزب

يعتبر بنيامين نتنياهو، الذي يرأس الحكومة، أشهر زعامات التكتّل، لأنّه يُعتبر صاحب أطول فترة كرئيس حكومة، في تاريخ الدولة والحزب، منذ عام 2005.

تقوم فلسفة الحزب على الفكرة القومية الليبرالية، متأثّرة بفلسفة زئيف جابوتينسكي الذي وُصف بأنّه صاحب أخطر الأفكار في هذا العصر.

هنا تكوّنت مجموعة مبادئ أساسية تتحكّم في اليمين الإسرائيلي.

– أوّلاً: إسرائيل التاريخية من البحر إلى النهر كلّها أرضنا.

– ثانياً: لا حقّ تاريخيّاً للفلسطينيين في أيّ أراضٍ إسرائيلية.

– ثالثاً: الفلسطينيون يجب أن يُعاملوا كأقلّية داخل الدولة العبرية. ودورهم العمالة الرخيصة والأعمال البدائية التي يحتاج إليها المجتمع.

– رابعاً: لا يوجد أيّ حقّ تاريخي أو سياسي لقيام دولة فلسطينية مستقلّة. وبالتالي لا حقّ للفلسطينيين في إعادة النازحين واللاجئين الذين طُردوا من بلادهم.

– خامساً: السيطرة الأمنيّة على المناطق الإدارية للفلسطينيين والتحكّم الاقتصادي والخدماتي الكامل في شؤون حياتهم هو أمر حيويّ للدولة العبرية ويجب عدم التنازل أبداً عنه.

– سادساً: لتحقيق استقرار الدولة العبرية لا بدّ من الاستمرار بالتفوّق النوعي في مجال التسليح والقتال والنشاط الاستخباري الذي يتقدّم بعدّة درجات على إجمالي قوى دول المنطقة مجتمعة.

سياسات “بيبي” المتناقضة

منذ عام 2005 كان نتنياهو يلعب لعبة تعتمد على سياستين متناقضتين تماماً هما:

1- محاولة استمالة اليمين من خلال تشجيع الاستيطان.

2- محاولة استمالة الوسط بأن يبدو كما لو أنّه منخرط باهتمام في عملية التفاوض السياسي.

استمرّت “أعذار” نتنياهو لدى واشنطن والمجتمع الدولي منذ عام 2005 كلّما طالبوه بالدخول بجدّية في تسوية سياسية مع الفلسطينيين تعتمد على العناصر التالية:

1- لا يوجد لدينا شريك تفاوضي بسبب طبيعة السلطة الفلسطينية.

2- السلطة الفلسطينية غير مسيطرة على قطاع غزة وغير قادرة على تحقيق انضباط أمنيّ في الضفة.

3- السلطة الفلسطينية تعاني من الفساد.

4- حركة حماس دينية متطرّفة تابعة لإيران لا تؤمن بالتفاوض.

5- لقد منحنا الفلسطينيين اتفاقاً في أوسلو، لكنّهم لم يحافظوا عليه.

7 أكتوبر “حليف” نتنياهو

جاءت لحظة الفراق الكبرى والعذر العظيم الذي يمكن أن يُعفي نتنياهو من أيّ حديث أو التزام بالسلام، بل ويبرّر له الانفكاك نهائياً من أيّ تعهّد سياسي بل دبلوماسي اتجاه الفلسطينيين، أي مشروع حلّ الدولتين.

تلك اللحظة كانت يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

تعلّل نتنياهو بأنّ 7 أكتوبر عمل إرهابي بامتياز ينهي أيّ أمل في أيّ مشروع سلام.

بناء على هذا الادّعاء أصبح نتنياهو يبرّر أيّ سلوك وحشيّ أو أيّ عمل عسكري ضدّ أيّ هدف مدني أو عسكري فلسطيني ثابت أو متحرّك على أرض فلسطين.

بناء عليه قتل 40,000 مواطن فلسطيني، 80% منهم من النساء والأطفال والمسنّين. وجرح أكثر من 120 ألفاً. ودمّر 80% من كلّ العمران المبنيّ على 360 كيلومتراً مربّعاً، وهي مساحة قطاع غزة. وهجّر وشرّد 2.2 مليون نازح أكثر من خمس مرّات في 8 أشهر.

بناء على ذلك أيضاً تسبّب في نزوح 100,000 لبناني من مدن الجنوب المتاخمة للحدود مع إسرائيل.

بناء عليه تمّ اعتقال 9 آلاف فلسطيني من الضفة وقتل 550 شابّاً وجرح 2,500 هناك.

بناء عليه قامت أجهزته الأمنيّة باغتيالات منظّمة لشخصيّات وأهداف في غزة والضفة والجنوب اللبناني والعاصمة السورية ومحيطها.

بناء عليه دخل في سباق إطلاق قذائف صاروخية ومسيّرات مع إيران.

4 دعائم لحملة الإبادة

كلّ ما سبق هو قائمة الادّعاءات الإسرائيلية التي تقوم على تزييف الوعي وإبادة الحقيقة بهدف إبادة البشر!

الفلسفة التي يتبنّاها بن غفير وسموتريتش والأحزاب الدينية الصهيونية تقوم على 4 دعائم:

1- أرض إسرائيل حقّ ديني تاريخي موعود من الله.

2- كلّ أرض الميعاد من أوّلها إلى آخرها لا حقّ فيها لأيّ فلسطيني.

3- الهدف المقدّس هو تطهير هذه الأرض من غير اليهود العرب وإقامة دولة يهودية خالصة النقاء.

4- أيّ مشروع سياسي يؤدّي إلى إقامة أيّ كيان فلسطيني على أيّ مساحة من أرض الميعاد هي خيانة للدولة والمعتقدات الدينية اليهودية.

من هنا نجد أنّ نتنياهو المأزوم يعيش هذه الأيام أسوأ أيامه منذ 2005 لأنّه مطالَب بمطلبين متناقضين، كلّ منهما يلغي وينفي الآخر.

المطلب الأوّل: من الأحزاب الدينية التي تهدّده بالانسحاب إذا أوقف القتال في غزة ولم يطوّره حتى آخر حمساوي، وإذا لم يفتح جبهة في لبنان ويرفض أيّ اتفاق حتى لو كان مفروضاً من واشنطن وأدّى إلى التضحية بأرواح كلّ الرهائن.

المطلب الثاني: من المعارضة لابيد وغانتس والجنرال آيزنكوت، الذين يطالبون بتسوية سياسية تبدأ بإيقاف نهائي لإطلاق النار وتؤدّي إلى تبادل الرهائن والمعتقلين وعقد تسوية أمنيّة لغزّة تؤدّي إلى تسوية سياسية مع السلطة التي يجب أن تتحمّل مسؤولية تأمين وإدارة غزة.

انتهازية نتنياهو السياسية وجنون العظمة المسيطر عليه يهيّئان له تصوّر إمكانية أن يكون بطل السلام والحرب بهزيمة حركة حماس ومحرّر الرهائن دون التفريط بشبر واحد من أرض الميعاد.

إنّها المعادلة المستحيلة حتى لو حرّر كلّ الرهائن وليس 4 فقط كما حصل في عملية يوم السبت الماضي.

إنّه الجنون ذاته الذي قضى على هولاكو ونابليون وهتلر وموسوليني وشاه إيران والقذّافي.

عماد الدين أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.