انتخابات الاستفتاء على عودة ترامب
بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
اختتم الحزب الديمقراطي مؤتمره، ومعه دخلت الولايات المتحدة المرحلة الحاسمة في الانتخابات الرئاسية بعدما اتّضحت استراتيجيات المرشّحين والعناوين السياسية التي يريدون إقناع الناخبين بها والوعود التي يسعون إلى استمالة الأخصام والمستقلّين من خلالها.
الحماسة والحيوية اللتان بثّهما الرئيس جو بايدن بعد قرار تنحّيه تجلّتا في أعمال المؤتمر الذي حاول منظّموه التركيز على ترك انطباع الوحدة وراء المرشّحة كامالا هاريس التي فازت بالترشّح عن الحزب ليس من خلال انتخابات تمهيدية عادة ما تكون شاقّة إنّما من خلال انقلاب أبيض دفع بايدن إلى الانسحاب.
الديمقراطيّون وإقناع المتردّدين
سعى الديمقراطيون إلى الاستفادة من الزخم الذي حظيت به حملة هاريس لإقناع المتردّدين والمتشكّكين بأنّ هاريس تستطيع أن تقود الحزب الديمقراطي إلى الفوز بعد مرحلة من الإحباط نتيجة تراجع أرقام بايدن وأدائه الكارثي في المناظرة التلفزيونية مع الرئيس السابق دونالد ترامب.
مؤيّدو ترامب لم يتراجعوا عن دعمه كما تشير الاستطلاعات، إنّما قواعد الحزب الديمقراطي بدأت تلتفّ حول هاريس بعدما تخلّى بايدن عن سعيه إلى البقاء في البيت الأبيض، وهو ما يفسّر تقدّم كامالا هاريس بأربع نقاط في معظم الاستطلاعات على المستوى الوطني. وعلى الرغم من الثقة المتزايدة، بدا واضحاً أنّ الديمقراطيين لا يزالون غير مرتاحين إلى أرقام الاستطلاعات، خصوصاً بعد تجربتهم السابقة مع ترامب حين هزم هيلاري كلينتون على الرغم من تقدّمها في جميع الاستطلاعات. قادة الحزب من رؤساء سابقين وأعضاء مجلس شيوخ ومؤثّرين، جميعهم كانوا حذرين ودعوا مناصريهم الناخبين المحتملين إلى عدم الاسترخاء وأكّدوا أنّ المعركة لا تزال طويلة وأنّ الأمر لم يُحسم بعد.
برامج تقليديّة للحزبين
البرامج السياسية للحزبين معظمها تقليدية وتشبه الكثير من الانتخابات السابقة التي طبعتها الخلافات الأيديولوجية بين الحزبين، ويبقى التركيز دائماً على الوضع الاقتصادي ومن هو المرشّح الذي يمكن أن يحسّن الاقتصاد ويرفع المستوى المعيشي للمواطن الأميركي، وبذلك يبقى موضوع رفع الضرائب وخفضها من أكثر الأمور تأثيراً على أداء الناخب، حتى يمكن وصف الانتخابات بأنّها “انتخاب المحفظة” Wallet Voting. هناك مواضيع خلافية لها تأثير أيضاً، لكن حسب الولاية ومدى تأثّرها بها مثل الإجهاض، الهجرة غير الشرعية ومعدّل الجريمة والبيئة.
يطغى على انتخابات هذا العام العامل الشخصي. فبعدما كان تقدّم بايدن في السنّ وهفواته المتكرّرة والشكّ في قدراته الذهنية هي عنوان السباق، نجح الديمقراطيون بتحويل السباق إلى استفتاء على شخص ترامب. معظم المتحدّثين في المؤتمر ركّزوا على شخصية ترامب الجدلية ومشاكله القانونية وكيف تؤجّج مواقفه السياسية الانقسام في المجتمع الأميركي، إضافة إلى اتّهامه هو والمرشّح لنائب الرئيس بازدراء النساء ومعاملتهم بتنمّر. المتحدّثون في المؤتمر وأبرزهم الرؤساء السابقون أوباما وكلينتون تناوبوا على تخويف الناخبين من احتمال عودة ترامب، واصفين فترة حكمه بالفوضى والانقسامات، ومذكّرين برفض أنصاره نتائج الانتخابات التي خسرها واقتحامهم مبنى الكونغرس. وحذّر هؤلاء من أنّ شخصية ترامب ديكتاتورية وتهدّد الديمقراطية الأميركية، خصوصاً بعدما حكمت المحكمة العليا بأنّ الرئيس يتمتّع بحصانة شبه مطلقة أثناء تولّيه سدّة الرئاسة.
التخويف من عودة ترامب قد يكون عنوان حملة الديمقراطيين واستراتيجيتهم الأبرز.
أمّا حملة ترامب فتحاول استغلال ارتفاع الأسعار والتضخّم وتفاقم أزمة المهاجرين غير الشرعيين وتراجع قوّة الولايات المتحدة على المسرح الدولي لوصف إدارة بايدن بأنّها فاشلة، معتبرة أنّ انتخاب كامالا هاريس سيكون امتداداً لهذه الإدارة.
العوامل الأبرز للفوز
في انتظار يوم الانتخابات، فإنّ العوامل الأبرز الباقية التي ستحدّد الفائز هي:
– المناظرة التلفزيونية في 10 أيلول التي سيقرّر بعدها المرشّحان قبولهما أو عدمه بإجراء مزيد من المناظرات. المتعارف عليه أنّ المرشّح المتأخّر في الاستطلاعات سيسعى إلى إجراء مناظرات إضافية على أمل استعادة المبادرة. مناظرات نواب الرئيس عادة لا تتمتّع بالأهميّة ذاتها ولا تحظى باهتمام الرأي العامّ على غرار المناظرات الرئاسية إلا إذا تخلّلتها مواقف استثنائية وأحداث غير تقليدية.
– الإعلانات التلفزيونية ومدى استجابة الناخبين للرسائل التي تتضمّنها. الإنفاق الإعلاني يلعب دوراً كبيراً في الولايات المتأرجحة والتي تشهد تقارباً في استطلاعات الرأي العام. ومن هنا أهمّية توافر التبرّعات اللازمة لإغراق المحطّات الإذاعية والتلفزيونية بإعلانات المرشّحين. وفي هذه الانتخابات سيكون لشبكات التواصل الاجتماعي دور كبير بسبب اعتمادها من قبل شريحة الشباب الذين يمثّلون قاعدة أساسية للحزب الديمقراطي، ومشاركتهم في الانتخابات ستلعب دوراً بارزاً في حسم المعركة.
– حصول مفاجآت أو أحداث غير متوقّعة قد تؤدّي إلى قلب المعادلات، أو ربّما فضائح تطال المرشّحين أو نائبَيهما. من المؤكّد أنّ الحملتين تحاولان نبش ماضي المرشّحين على أمل اكتشاف فضائح أو مواقف قد تبعد الناخبين عنهم. قد يكون ترامب الأقلّ عرضة لاحتمال كهذا بعدما مرّ بكلّ أنواع الاتّهامات، ومنها ما أدّى إلى إدانته قضائياً، ومع ذلك لم تتأثّر شعبيّته وفاز بالترشيح عن الجمهوريين.
ستلعب دوراً حاسماً قدرةُ أيّ من المرشّحين على استنهاض قواعده التقليدية والمشاركة في الانتخابات. ستسعى هاريس إلى أكبر مشاركة من قبل النساء والأقلّيات، خصوصاً السود وذوي الأصول اللاتينية والشباب دون عمر 29 عاماً الذين ساهموا في إيصال بايدن إلى البيت الأبيض. أمّا قاعدة ترامب الأساسية فتبقى من الرجال البيض فوق عمر 29 سنة وسكّان الضواحي والأرياف، إضافة إلى الناخبين الإنجيليين والمحافظين الذين يجعلون من موضوع الإجهاض أولوية ويرون في ترامب ضمانة للحفاظ على قرار منع الإجهاض.
بعيداً عن مفاجآت من العيار الثقيل محلياً أو دولياً، ستكون الانتخابات هذا العام متقاربة ويصعب التكهّن بنتائجها حتى يوم الانتخابات.
موفق حرب