النشيد الرسمي في وداع شهر البركة “تم البدري بدري والله لسه بدري –  يا شهر الصيام”

81

بقلم د. يحيى أحمد الكعكي

إذا كنا قد استقبلنا «الضيف الكريم» -شهر رمضان المبارك- ليلة الاثنين ٢٠٢٤/٣/١١، أي مساء الاحد ٢٠٢٤/٣/١٠ بالنشيد الرسمي «رمضان جانا» لشيخ المطربين الشعبيين العرب وملك الموال «محمد عبدالمطلب»،[١٩١٠- ١٩٨٠]، والتي وصفها «عبدالمطب» عام ١٩٧١ بأنها «أهم حدث بعد بيان المفتي بثبوت الرؤية الشرعية لهلال شهر رمضان الكريم» -وهو يقصد مفتي الديار المصرية-٠

إذا كنا قد استقبلنا «الضيف السنوي الكريم» -الذي نُكرّم به، فإننا نودّع «ضيفنا الكريم» بـ»نشيد الوداع الرسمي» – «تم البدري بدري» -، للفنانة المصرية الكبيرة «شريفة فاضل» إسمهاالأصلي «فوقية محمود أحمد ندا» [١٩٣٨/٩/٢٧ – ٢٠٢٣/٣/٥] زوجها المخرج والممثل الشهير «السيد بدير»[١٩١٥- ١٩٨٦]، وتُلقب بـ»أم البطل»[لأنها قدمت إبنها في حرب ١٩٧٣، فدءًا لمصر والأمة العربية]، « وتم البدري بدري» سجلتها «شريفة فاضل» للإذاعة المصرية من دون اي مقابل.

والأغنية من درر الشاعر المصري الشهير بتأليف الأغاني الدينية -وخصوصًا الرمضانيًة- «عبدالفتاح مصطفى»[١٩٢٤- ١٩٨٤] الذي حصل من الإذاعة المصرية لقاء تأليفها ١٥ جنيهًا تنازل عنها لصالح إنتشار الأغنية، و»الأغنية النشيد» من تلحين  الملحن المصري القدير «عبدالعظيم محمد» [١٩٢٣- ٢٠٠٨]، الذي استطاع في ٤٨ ساعة أن يضع لحن الأغنية رغم أنه يودّع فيه شهر «رمضان المبارك»، إلََّا أن قدرته كملحن عبقري استطاع بعبقريته هذه أن يجعل من الوداع بهجة وفرحة، وهذا ما لم يستطع أحد غيره أن يفعل ذلك، وهو ما أجمع عليه النقاد فى ذلك الوقت.وهو كان مبدعًا مميزًا صاحب جملة موسيقية متجدّدة وهذا ما ظهر فى الجملة الشهيرة التى أبدعها فى مطلع الأغنية «والله لسة بدرى يا شهر الصيام»، والتى لازلت – رغم مرور كل هذه السنين – تعيش فى وجداننا حتى الآن.

والذي استطاع بلحنه أن ينسُج «حالة شعبية» ومن خلال اللحن يتوهّج  صوت «أم البطل» و هي تنشد ︎»تم البدر بدري والأيام بتجري، والله لسه بدري والله يا شهر الصيام،حيّانا هلالك، ردينا التحية،زهانا جمالك بالطلعة البهية،دي فرحة سلامك، ︎يا ضيف وقته غالي،وخطوة عزيزة،حُبك حب عالي،في الروح والغريزة،أيامك قليلة،والشوق مش قليل،والغيبة طويلة، وتسيب يوم وداعك،فوق الأرض عيد، يا هالل بفرحة، ومفارق بفرحة».

وللنشيد الرسمي حكاية طويلة يرويها « وجدي الحكيم»[٢٠١٤/١٩٣٤،اعلامي مصري شهير، كان مراقبًا للموسيقى والغناء في اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري]، تحكي أهم ما جاء فيها  «ففويةمحمود أحمد ندا»- والشيخ [وجدها لأبيها هو القاريء العبقري المبدع»أحمد ندا»  المعروف ب»مؤسس دولة التلاوة المصرية»- التي تحدثت عنها في قراءات سابقة في عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٣ في شهر رمضان المبارك-، وكان تأثيره واضحًا في صوتها، مع أنه توفى بعد ولادتها، وهي تقول « ورثت صوتي من جدي»،

وتقول فوقية – رحمها الله تعالى ‐ عن «الأغنية النشيد»

:» هذه الأغنية لم يكن مخططًا أن أغنيها، فوقت غناء هذه الأغنية، كانت الإذاعة توزع الأغانى على المطربين، وأنا كنت مطربة جديدة، وجاءت الأغنية من نصيبى بالصدفة، وكذلك غنيت أغنية -مبروك عليك يا معجبانى يا غالى›، من تلحين سيد مكاوى، بالطريقة ذاتها، فنحن لم نكن نسعى لأغنية محددّة، فالله هو الذى يوزّع ويعطى الرزق لمن يشاء، والأغانى الدينية لم يكن يُنفق عليها أحد من حسابه، ولذلك كانت الإذاعة تقوم بإنتاجها، وتحدّد الموسيقيين، ونذهب نحن لتسجيلها، وتدفع لنا حق الإلقاء، وحتى الآن لا يوجد هناك ما ينافسها».

و الحق يّقال أن كلمات «تم البدر بدري» لم تتعمّق في وصف طقوس رمضان المبارك، ومظاهره، من فوانيس، وقطائف، وفرحة الأطفال، مثلما حدث في أغلب الأغنيات الرمضانية، قدر توصيفها ل»الحالة الصوفية» و»الروحانية»، وما يمثله «الشهر الكريم» للصائمين، وتشبيهه بالضيف الذي ليس لديه من الوقت الكثير للبقاء فترة طويلة.

وهكذا يُفارقنا «الشهر الكريم: الذي تمضي أيامه المعدودات المباركة بشكل يفوق الوصف، يُغادرنا على أمل اللقاء، ولا تنتهي دعواتنا :اللهم بلغنا رمضان:، نودّعه وكلمات الشاعر «عبدالفتاح مصطفى» ترنّ في القلوب وتدمع لها الأعين «يا هالل بفرحة ومفارق بفرحة، والله لسة بدري والله يا شهر الصيام».

إنهما «النشيدان الرسميان» نستقبل بالأول «الضيف الكريم»، ونودّع بالثاني هذا «الضيف الكريم»  ونحن نشعر عند سماع النشيد الأول ب»حالة فرح وبهجة وسرور»، وبدموع قشعريرة الفرح تسيل على وجوهنا من دون أن ندري،.. وعند سماع الآخر نشعر ب»حالة الحزن» لفراق هذا «الضيف الكريم»، و»بقشعريرة، ودموع الحزن تسيل على وجوهنا من دون أن ندري»، ونحن قول «والله لسه بدري والله يا شهر الصيام».

وهكذا يحق القول بأنّ للحالتين- إن في استقبال شهر «رمضان المبارك»، أو في وداعه، خصوصية معبّرة عن الاحتفال بالحياة، بقدر ما نُؤمن بحتمية الرحيل عن الحياة الدنيا، والبعث يوم القيامة.

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.