الميدان يَنسِف المفاوضات؟
بقلم ملاك عقيل
«أساس ميديا»
لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. أمس ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي في استهداف الضاحية الجنوبية ضَرَب بقعة نفوذ الحزب وخزّانه البشري بغارات عنيفة صباحاً وصلت إلى 12 هدفاً دفعة واحدة في استكمال واضح لمسار تجدّد الاشتباكات بعد هدوء نسبي في الأيام الماضية، حيت اشتعلت منذ يوم الإثنين محاور القتال جنوباً وأعادت إسرائيل محاولات التوغّل البرّي عبر محاور القطاع الغربي والأوسط والشرقي وقُصِف العمق الجنوبي والبقاعي في مقابل تكثيف عناصر الحزب ضرب مستوطنات الشمال.
بات مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب الحاج محمد عفيف مصدراً أساسياً في ضخّ المعلومات في شأن الوضع العسكري والسياسي للحزب. في مؤتمره الصحافي في “يوم الشهيد” اختصر المشهد الضبابي الذي عوّمته قبل أيام تسريبات حول تسوية وشيكة بالقول: “لن يعود سكّان الشمال إلى الشمال أبداً ولن يحقّق العدوّ أهدافه السياسية ما دام عاجزاً عن التقدّم البرّي والسيطرة الفعليّة”.
عملياً، تمحور خطاب عفيف حول ثلاث ركائز أساسية:
– مخزون سلاح الحزب من الصواريخ “كافٍ لحرب طويلة نستعدّ لها”، وهي قادرة، كما أكّد عفيف، على أن تصل إلى تل أبيب، وقصفت مناطق لأوّل مرّة في الجولان المحتلّ وحيفا. لم يكرّر عفيف مطلب وقف إطلاق النار أوّلاً، ولم يشِر إلى الربط مع جبهة غزة التي لا تزال ترد في كلّ بيانات عمليات المقاومة في الجنوب.
– بعد كلام الشيخ نعيم قاسم الذي أثار جدلاً كبيراً حول طلبه توضيحات من الجيش وإصدار بيان حول إنزال البترون، “وأن يعلن موقفه، وإذا كان عاجزاً عن التصدّي لهذا الخرق فليقُل ذلك”، كانت لافتةً جدّاً، وللمرّة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي وبعد كمّ المعطيات المُسرّبة من عواصم القرار حول دور الجيش المتوقّع جنوب الليطاني بعد وقف إطلاق النار، إثارة الحزب لموضوع العلاقة مع الجيش. فقد أكّد مسؤول الحزب على “العلاقة المتينة والقويّة مع الجيش وتقديرنا لدوره”، لكنّ عفيف رَبَط هذا الموقف بـ “ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. هكذا نفهم الجيش وهكذا نفهم علاقة المقاومة به”.
عمليّاً، هي الثلاثية التي فَرَضَها الحزب وواكبت تطبيق الـ 1701 منذ عدوان تموز 2006 وغطّتها كلّ الحكومات المتعاقبة في بياناتها الوزارية، والتي ترفضها اليوم واشنطن وإسرائيل بشكل قاطع، والغالبية العظمى من اللبنانيين.
– الميدان هو الذي سيغيّر المعادلة السياسية، والمفاوضات أساسها الميدان، مع تأكيد ملء المقاومة لكلّ الشواغر بعد اغتيال قادتها.
“قشرة” الإيجابيّة
من جانب الحزب ستكون هذه الركائز الثلاث شريكة أساسية حتى الآن في رسم مسار المرحلة المقبلة مع رهان وحيد على الميدان. يظلّل هذا الواقع إزالة قشرة الإيجابيات التي تقصّد العدوّ الإسرائيلي إبرازها عبر احتمال التوصّل إلى وقف إطلاق للنار مرفق بشروط تثبّت هيمنته العسكرية خلال سريان مرحلة الهدنة، وهو أمر مرفوض بالكامل من الجانب اللبناني الذي يرفع شعار الـ 1701 من دون تعديل.
هنا تذكّر مصادر مطّلعة بخطاب الأمين العام للحزب السابق السيّد حسن نصرالله في شباط الماضي الذي دعا فيه “الموقف الرسمي اللبناني إلى أن يضع شروطاً إضافية على الـ1701 وليس تطبيق القرار، فالإسرائيلي مأزوم وليس في موقع من يفرض الشروط”.
في تلك المرحلة، وفق أوساط مطّلعة، كان نصرالله يقصد تدعيم القرار 1701 بما يُلزِم إسرائيل بشكل قاطع بوقف انتهاكاتها للقرار واتّخاذ إجراءات من الجهة الإسرائيلية (من جانب القوات الدولية مثلاً) على حدودها الشمالية. يومها لم يكن مطروحاً من جانب الحزب احتمال التراجع إلى شمال الليطاني حيث كانت قواعد الاشتباك التقليدية تحكم المواجهات العسكرية والجسم القيادي والتنظيمي واللوجستي للحزب بكامل جهوزيّته والغارات الإسرائيلية لم “تفلح” أرض الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية ولم تسجّل رصيداً إجرامياً غير مسبوق في قتل نحو ألفَين و500 شهيد مدنيّ.
تضيف الأوساط: “اليوم يرفع الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي شعار “لا تعديل للقرار 1701″ في ظلّ ضغط دولي كبير بإدارة إسرائيلية مباشرة لجعل جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح مع حرص العدوّ الإسرائيلي على تدمير ما أمكن من بنى تحتية عسكرية من صواريخ وأنفاق وارتكاب إبادة جماعية تستهدف بشكل عامّ البيئة الحاضنة للحزب بعد إتمام مهمّته الأساسية بالقضاء على معظم الكادر القيادي في الحزب”.
أمام مسلّمات الحزب والتشكُّك الكبير من جهة ثانية في مدى جدّية المؤشّرات أو الرغبة الإسرائيلية-الأميركية بالتوصّل إلى هدنة أو وقف دائم لإطلاق النار، كانت مصادر السراي حتى يوم أمس تتحدّث عن احتمالات جدّية مصدرها سفراء غربيون لوقف إطلاق النار، مع تشكُّك كبير في نوايا إسرائيل وإصرارها على وضع شروط تعجيزية يرى مسؤولون لبنانيون أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب العتيدة وحدها قد تخفّف من حدّتها باستبدالها بضمانات سياسية غير مكتوبة.