الكيك ” للشرق” لوضع خطة اقتصادية شاملة تأتي الإصلاحات كنتيجة على رأس الأولويات والإتفاق مع صندوق النقد بمثابة ” جسر العبور”
كتبت ريتا شمعون
لبنان الذي لم يخرج بعد من تداعيات حرب أوكتوبر 2023 حتى الآن وهو يعاني من إنهيار مالي ومصرفي ومن الخسائر الكارثية لتفجير مرفأ بيروت لا يتحمل المزيد من المماطلة في معالجة الأزمات المعيشية والإقتصادية وفي تنفيذ حداً أدنى من الإصلاحات أقله في القضاء وقطاعات المصارف والقطاع العام.
وقالوا لنا المسؤولون العرب الذين زاروا لبنان بعد الإعلان عن انتخاب جوزف عون رئيسا جديدا للبنان، خصوصا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ” الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح”.
وقال رئيس الحكومة نواف سلام خلال لقاء مع صحافيين بثه تلفزيون لبنان في ما يتعلق بالإصلاحات الإقتصادية ، “ما نريد شطبه هو الكلام عن شطب الودائع ونود شطب هذه الفكرة” معتبرا ان البيان الوزاري سيتضمن مسألة الودائع، وذكر ” إننا نريد استعادة ثقة المواطنين الذين عانوا من الأزمات المالية والإقتصادية والتي تجاوز عمرها ست سنوات”.
وقالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا أن الصندوق ملتزما بدعم لبنان في هذه المرحلة وخاصة بعد الحرب واستعداد الصندوق لدعم الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الضرورية لتحقيق التعافي الإقتصادي والاستقرار من خلال إعادة إحياء الاتفاق بين لبنان والصندوق فهل شروطه ستنفذها الحكومة؟
حكومة الرئيس نواف سلام التي تشكلت في اقل من شهر، أدارت محركاتها، وملفات كثيرة تنتظرها بينما الصعوبات كثيرة أيضا لكن التفاؤل كبير وفق ما يقول وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكي.
إذاً ” التفاؤل” الذي يحمله الوزراء الجدد كبير جدا، لكن ما هي التحديات التي تنتظر الحكومة؟ وهل ستتمكن الحكومة وفق التشكيلة، ووفق أسماء وزرائها من إتمام الإصلاحات؟
تجيب الأستاذة والباحثة في القوانين المصرفية والمالية الدكتورة سابين الكيك، قائلة: لا بدّ من وضع استراتيجية شاملة وقرارات تنفيذية وخطوات إقتصادية فتاتي الإصلاحات كنتيجة حتمية على رأس الأولويات التي يحتاجها لبنان واللبنانيون لإنطلاق قطار البناء والإنقاذ.
وأضافت في حديث لجريدة” الشرق” علينا في هذه المرحلة، تقييم عمل الوزراء والحكومة، ومراقبة حسن تطبيق الإصلاحات خطوة بخطوة للوصول الى الإصلاح المنشود أو الإصلاحات المطلوبة معلومة لدى الجميع.
وحددّت الكيك، نوع من خارطة طريق لمعالجة الأزمات الإقتصادية ومواجهة التحديات:
إستقلالية السلطة القضائية
إعادة هيكلة النظام المصرفي بدءا من إعادة هيكلة مصرف لبنان
إعادة التوازن للإنتظام المالي
إعادة هيكلة القطاع العام
إعادة جدولة الديون التي تفتح مجالا للتفاوض مع الدائنين للإتفاق على آلية لإعادة هيكلة الدين العام
وتابعت الكيك، هذه الملفات الصعبة مترابطة حتى وإن كانت بعناوين منفصلة ولكلّ منها آلية تتيح معالجتها، وقالت الكيك، في هذا السياق، أن هناك إقتراحات إصلاحية مالية ، حيث ترى وجوب تحقيق سياسة ضرائبية عادلة، وإتخاذ إجراءات لمكافحة التهرب الضريبي تليها خطوات تعزز الجباية الضريبية .
على مستوى التحديات التي تواجهها حكومة سلام، تقول الكيك، واضح أن هناك لوبي مصرفي لا يزال يمنع من التحقيق في أسباب الإنهيار المالي الحاصل، فيما تستدعي إستعادة الثقة بالقطاع المصرفي والمالي التحقيق في أسباب هذا الانهيار وكما يعلم الجميع بأن إشتراط التحقيق يبدأ من المساءلة والمحاسبة، لا يعني مفهوم المحاسبة هنا إستدعاء مصرفيين وسجتهم في السجون أو محاسبة جنائية أو جزائية ،ما عنيت به ، إستعادة الأموال المنهوبة وهي ليست عملية سهلة، ونجاحها رهن الإرادة السياسية، بالإضافة الى القيام بالإصلاحات الإقتصادية والمالية لا سيما باستكمال التدقيق الجنائي في المصارف وفي حسابات وزارة المالية للبدء في المرحلة التنفيذية المقبلة بوضع خطة إقتصادية مستدامة.
ورأت الكيك، أن الإتفاق مع صندوق النقد الدولي هو بمثابة ” جسر العبور” كي يتمكن لبنان من طلب قروض ميسرة، أو هبات، مشيرة الى شروط يفرضها االصندوق تجمع بين إعادة الهيكلة للدين العام وإجراء إصلاحات تعيد المصداقية، وإعادة هيكلة المصارف، لافتة الى ان اي إستدانة من صندوق النقد مرتبط بمدى تطبيق الحكومة بالتزامها ببرنامج صندوق النقد، الذي سيشكل رؤية للمرحلة الإقتصادية المقبلة.
وأكدت الكيك، أن لبنان في أمس الحاجة الى إتفاق مع صندوق النقد للدعم المالي، لكن أيضا لتنفيذ الإصلاحات المرجوة لإعادة النهوض والإنماء باقتصادنا واستعادة الثقة، حان الوقت لإعادة بناء الإقتصاد ومتطلبات الصندوق لا تزال عينها، وفي مقدمها إعادة هيكلة الدولة والتنفيذ الصارم للإصلاحات، بالتالي، عندما يرى صندوق النقد الإصلاحات في لبنان سيوفر للبنان الدعم المالي لتحقيق التعافي الإقتصادي والمالي.
والهدف بطبيعة الحال، هو إحياء البرنامج التمويلي الموعود للبنان وفقا لمندرجات الإتفاق السابق على مستوى الموظفين الموقع بين الطرفين في العام 2022 ، والذي لم يتحول الى اتفاق نهائي بسبب عدم تنفيذ السلطات اللبنانية لشروطه الإصلاحية.
ولكن التحدّي الأهم اليوم هو قدرة الحكومة الجديدة على إيجاد توافق على مقاربات خطة التعافي المالية بعد تحديثها وتعديلها ، وهذا ما يبدو حتى اللحظة صعبة لكن ليست مستحيلة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.