الصّراع على إفريقيا

40

بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
ماذا يعني أن تطالب النيجر رسمياً من الولايات المتحدة الأميركية إغلاق قاعدتها العسكرية وتصفية وجودها العسكري في البلاد؟
الجواب: المزيد من النفوذ الروسيّ.
وماذا يعني تعزيز النفوذ الروسي في إفريقيا؟
الجواب: مواصلة الالتفاف على محاولات الاحتواء التي يتعرّض لها في أوروبا، عبر أوكرانيا، لعزل الكرملين وتطويع رئيسه فلاديمير بوتين.
تشهد إفريقيا من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر حركات عسكرية انقلابية على الوجود الغربي (الفرنسي أوّلاً والآن الأميركي). وتمتدّ خريطة الانقلابات العسكرية من غينيا غرباً حتى السودان شرقاً.
حاولت الولايات المتحدة احتواء السودان من خلال مشروع ينقل البلاد من حكم الفرد (البشير) إلى حكم الجماعة الديمقراطية. ولكنّ محاولتها أدّت إلى انفجار الحرب المدمّرة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع اللتين تتنافسان على تدمير ما بقي من السودان، بشراً وحجراً، تحت مظلّة التنافس الروسيّ – الأميركيّ على النفوذ في شرق إفريقيا.
السودان ووحدته الوطنية
خسر السودان وحدته الوطنية، لكنّه لم يفُز بالديمقراطية الموعودة. وخسرت الولايات المتحدة رهانها على تحويل السودان إلى نقطة ارتكاز في شرق إفريقيا والبحر الأحمر، لكنّها لم تستطع أن تضمن حرّية الملاحة عبر باب المندب.
دخلت الصين كقوّة دولية كبرى ساحة الصراع التنافسيّ على إفريقيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي. فقد أرسلت قوّات بحريّة إلى كلّ من جيبوتي (في الشرق) وموريتانيا (في الغرب). كما زوّدت نيجيريا والكونغو في قلب إفريقيا بالطائرات المسيّرة .
استناداً إلى معهد استوكهولم للدراسات العسكرية، زوّدت الصين منذ عام 2019 حتى عام 2023 أكثر من 21 دولة إفريقيّة (جنوب الصحراء) بالأسلحة والمعدّات العسكرية. ويقول المعهد السويدي أيضاً إنّ سبعاً من عشر دول إفريقية تعتمد جيوشها على السيّارات العسكرية المستوردة من الصين.
لا تحتاج الصين إلى عائداتها من بيع هذه الأسلحة والأدوات العسكرية. ولا تحتاج أصلاً إلى هذه الأسلحة والأدوات التي عفا عليها الزمن في إطار التنافس الحادّ المتسارع والمتصاعد بين واشنطن وبكين. ولكنّ الدول الإفريقية التي تتنافس على فكّ الارتباط بالغرب (الفرنسي – الأميركي) تجد في هذه المساعدات مصدراً بديلاً يمكّنها من رفع الصوت عالياً ضدّ النفوذ الغربي.
هنا يتكامل دور روسيا مع دور الصين في القارّة السمراء حيث العدوّ المشترك هو التحالف الأميركي – الفرنسي الذي حاول تجديد حضوره في احتفالات النورماندي (إحياء ذكرى هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية). ففرنسا تتقدّم الآن على الدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي وفي حلف شمال الأطلسي في رفع الصوت ضدّ الحرب الروسية في أوكرانيا. وتحمّل روسيا مسؤولية الانقلابات العسكرية في دول الساحل الإفريقي التي أطاحت بالنفوذ الفرنسي التقليدي في المنطقة.
إفريقيا مسرحاً لتصفية الحسابات
من هنا تحوّلت إفريقيا (جنوب الصحراء) إلى مسرح لتصفية الحسابات السياسية – العسكرية بين الثنائي الروسي – الصيني من جهة، والثنائي الأميركي – الفرنسي من جهة ثانية. حتى إنّ نيجيريا، أكبر دولة إفريقية. تشكو من أنّ بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة (التي تحارب في إفريقيا المنظّمات الإرهابية باسم الإسلام). امتنعت عن تزويد القوات النيجيرية بالأسلحة التي تحتاج إليها لمطاردة هذه المنظّمات، ومن بينها منظّمة بوكو حرام الإرهابية المتطرّفة.
بالمقارنة قدّمت الصين أسلحة ومعدّات عسكرية هديّة إلى زيمبابوي تبلغ قيمتها 28 مليون دولار. وهذا يعني أنّه فيما تقدّم الصين الأسلحة والمساعدات العسكرية على شكل هبات، ترفض فرنسا والولايات المتحدة بيعها لهذه الدول. وقد فاجأت السنغال وكذلك ساحل العاج وبينين الاتحاد الأوروبي عندما عرضت لأوّل مرّة أسلحة ومعدّات عسكرية صينية في احتفالاتها الوطنية.
إذا كان هذا الأمر يدلّ على شيء فإنّه يدلّ على اللاثقة التي تتّسع مع الوقت بين الجانبين الإفريقي من جهة، والأميركي – الفرنسي من جهة ثانية.
لقد كانت زيمبابوي مثلاً من ممتلكات التاج البريطاني، واليوم أصبحت تتباهى بعرض أسلحة ومعدّات صينية الصنع.
تشير هذه المتغيّرات إلى أنّ إفريقيا خرجت من تحت المظلّة الأوروبية – الأميركية. ولكن إلى متى؟
إنّ ما تختزنه دول القارّة السمراء من ثروات معدنية نادرة، مثل الكوبالت والمنغنيز واليورانيوم وسواها، تحتاج إليها الصناعات المستقبلية، يجعل من دولها مسرحاً لصراع دولي جديد.
محمد السماك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.